ربما تكون حالة الغموض السائدة الآن في اليمن من أكبر عمليات التعتيم والتضليل في التاريخ.
أخذت السعودية الرجل ومعه الصف الأول في نظامه ؛ وغيبتهم بالتواطؤ مع أميركا؛ وبعد شهر كامل لا ندري هل هم أحياء أم أموات!.
أخفوهم في الغرف المغلقة، مستهدفين إخفاء مسار الثورة اليمنية وفرملة كوابحها وإعاقتها عن الوصول لهدفها، خلقوا سياجاً من الغموض المدروس حول مصير رأس النظام وأركان حكمه ؛ وكلما لاح في الأفق مؤشر حركة للساحات أو مقدمات فعل معارض رفعوا ((فيتو )) المبادرة الخليجية والتسوية لنقل السلطة .
وبعد أربع جمع تبين أن التسوية المتوهمة ليست إلا أسلوباً ناجعاً لامتصاص حماس الثوار واستنزافاً نفسياً للشعب اليمني، تزامن مع تضييق منظم في سبل العيش وظروف الحياة اليومية لتركيع اليمنيين وإذلالهم في صورة همجية من صور العقاب الجماعي تذكرنا بإسرائيل وأساليبها.
بعد شهر ثقيل من الغموض المنظم فشلت العملية السياسية, وتبين أن ما يلوح في الأفق كموقف خارجي إزاء الثورة اليمنية أسوأ بكثير من موقفه السابق المطالب بنقل سلمي للسلطة عبر المبادرة الخليجية، فقد كشف النائب/ عبدربه أن هناك تحضيرات لاتفاق جديد ترعاه الأمم المتحدة؛ أقل انحيازاً للمعارضة من المبادرة الخليجية!!.. مفاد ذلك أن الأخ النائب/ عبدربه ملكي أكثر من الملك؛ فهو يعتبر المبادرة الخليجية التي قبل بها الرئيس/ علي صالح نفسه منحازة للمعارضة!!.
لقد مضى على( المبادرة- الغمة) ثلاثة أشهر، ثلثاها بوجود رأس النظام وشهر ثالث منذ رحيله من صنعاء ؛ حيث حولت السعودية وأمريكا حاله علي عبدالله صالح الصحية إلى ورقه سياسية مرهقة بأيديهم أرهقوا بها أعصاب الثورة اليمنية واستنزفوا المعارضة بوعود التسوية السياسية؛ وإذا بهم بعد كل هذا العناء يطلبون المعارضة للتفاوض من نقطة الصفر وسط ترويجات هزلية عن بقاء الوضع على ماهو عليه حتى 2013م مع تشكيل حكومة من قبل المعارضة، وهي الصيغة التي رفضها المشترك بصوره متكررة طوال الثلاث السنوات الماضية ؛ ومن دون ثورة أو خروج للشعب اليمني إلى ساحات الاعتصام.. ومطلوب منه اليوم أن يقبلها ؛ وتحت مظلة الأمم المتحدة!!.
ولمظلة الأمم المتحدة قصه أكبر من كل هذه التداولات؛ تتلخص بجر اليمن إلى إطار دولي يمكن الدول العظمى "أمريكا وبريطانيا" بالتنسيق مع السعودية من التدخل العسكري المباشر في اليمن بمبررات الحالة الإنسانية للسكان أو سقوط محافظات جنوبيه بأيدي (( الإرهاب )) .
ومثل هكذا مسار سيكون حافلاً باحتمالات عديدة ؛ تغدو ممكنة؛ من وضع اليمن تحت الوصاية، إلى تقسيمه بإشراف دولي ؛ إلى السيطرة على ساحله الكبير ومنافذه البحرية ومنابع نفطه وترك سكانه يقتتلون بعيداً عن نقاط التماس لمصالح أميركا وحلفاءها .
والواضح الآن أن أميركا والسعودية قد وضعت كل اتصالاتها بشأن اليمن من أجل أن تؤول الحالة اليمنية إلى وضع يمكن هاتين الدولتين من السيطرة التامة على اليمن ورسم مالآته المستقبلية.
فطوال الفترة الماضية تكثفت الضغوط الخارجية على المعارضة والساحات للقبول بنقل السلطة عبر التسوية التي ترعاها هاتان الدولتان؛ والتي تعرف باسم المبادرة الخليجية.
والآن ؛ وبعد كل هذا الاستنزاف تتبدى الدولتان الإخطبوط وكأن المبادرة لا صلة لها بهما؛ أو لكأن المعارضة والشباب أنفسهم هم من طالبوا بها ؛؛ وهذا هو التفسير الوحيد لتجاوز المبادرة إلى صيغ أكثر تعويماً للوضع اليمني وأكثر بعداً عن تحقيق هدف الثورة ؛ المتمثل بإسقاط النظام أو ما يسميه السياسيون "نقل السلطة سلمياَ" .
مصطفى راجح
الغموض المنظم.. وصولاً إلى مظلة التدخل العسكري!! 2221