أحب ثورة الملح ولدي حساسية مفرطة من ثورة البارود، أعتقد نفسي مفتوناً بالرجل الأسمر النحيل المهاتما غاندي ،عاشقاً للطبيب الثائر تشي جيفارا وكوفيته السوداء ونجمته الخماسية الملهمة لكثير من أحرار العالم ، حبي لثورة الملح الأبيض ومبتكرها العجوز الزاهد المحامي غاندي لا يقلل من إعجابي بالرفيق جيفارا وبندقيته المحاربة للظلم والاضطهاد.
فأياً كان هذا الإعجاب بالأرجنتيني وكوفيته وثورته الحمراء ,إلا أنه لا يحول دون نزع قبعته إجلالاً واحتراماً للزعيم غاندي وثورته البيضاء المستلهمة اليوم من كل الشعوب التواقة للانعتاق من الاضطهاد والاستعباد ،فهذا الزمن زمن الحكيم الهندي الثائر على أعتى إمبراطورية استعمارية عرفها العصر الحديث ، فبفكره الوقاد وأخلاقه ومثله النقية النبيلة وبدنه الهزيل قاوم جبروت المستعمر حتى نال شعبه الاستقلال عام 47م .
من يظن أن العهد عهد جيفارا فليرتدي قبعته ويمتشق بندقيته ؟!.. المؤكد أن منطقاً كهذا الذي يؤمن به فتيان المقاومة المسلحة لن يؤدي سوى للهلاك والخراب ، نعم كان موطن جيفارا حيث القهر والاضطهاد يقطنان ، ففي ذلكم العهد الزاخر بالشعارات والثورات والشعوب المستعمرة كان للعنف الثوري طرق وسلاح ورجال وأوطان ,أما في هذا العصر فعلى ما يبدو أنه عصر غاندي القائل : ليست القوة هي الحق, بل الحق هو القوة .
لو أن الزمن الحاضر فيه متسع للسير على صراط الآباء الثائرين ببنادقهم ورصاصهم على المستعمر الأجنبي أو أن هناك مكاناً للزهو والفخر بالبندقية ؛ لكان الأولى بالروسي المخترع للبندقية الكسندر كلاشينكوف الزهو بسلاحه والترويج له بدلاً من انشغاله الإعلاني بالترويج للمشروبات الروحية والعطر وربما أيضاً الأحذية .
هؤلاء الذين لا يجيدون غير لغة السلاح ينبغي لهم البحث عن وسيلة أخرى تتناسب مع طبيعة العصر الراهن الذي مهما بلغت قساوته ومعاناته إلا أنه لن يكون نسخة مكررة من تواريخ وأحداث ورجال وثورات الأمس، في بلد يرفل بشتى صنوف العتاد الحربي الشعب بمسيس الحاجة إلى نظارة العجوز غاندي لا إلى كلاشينكوف جيفارا، فالأولى واقعية وسترشدنا إلى جادة الحق ,أما الثانية فكارثية وفي متناول اليد وستؤدي بنا إلى الهلاك.
في إحدى المرات وضعت سؤالا على الشباب الثائر على صفحات الفيس بوك ، هذا السؤال هو: أيهما موطنك المفضل؟ الوطن الذي تعيش من أجله أم الوطن الذي تموت في سبيله؟.. تصوروا كيف أن أغلب الإجابات اختارت الوطن الذي يجب أن يؤخذ حياتنا كقربان ؟ .
لا أعتقد أن من يفضل الموت على الحياة شخصاً سوياً، نعم في أحايين كثيرة يكون الموت شهادة ومكرمة لا يجود بها سوى الشجعان الأحرار، ولكن تذكروا أنه حتى نيل الشهادة لا تكون إلا قرباناً وتضحية في سبيل حياة حرة وكريمة .
محمد علي محسن
نظارة غاندي وكوفية جيفارا 2532