العمل الإعلامي بقدر ما هو وظيفة، فهو قبل ذلك أمانة نتحملها جميعاً، وما يريده المواطن هو معرفة حقيقة ما جرى ويجري على أرض الوطن من أحداث دون تضليل أو تزييف، نريد معرفة من قتل المعتصمين في جمعة الكرامة؟، نريد معرفة ما جرى في دار الرئاسة، من المسؤول عن تلك الحادثة؟ من قُتل من جُرح؟ ما حجم إصاباتهم؟ ما حقيقة وضعهم الصحي وأين هم؟، أين رئيس الجمهورية والذي تحدث عقب الحادثة وأصبحت أخباره مجرد تنبؤات وتضارب في الأقوال بين أركان النظام أنفسهم؟.
أخبار أركان الحكم ليست شأناً شخصياً، لكنها تهم كل مواطن سواء كان مؤتمري المصلحة أو عقدي المشترك، أو شبابي ثورياً، أم من الغالبية الصامتة والتي ترفض الآن أن تبقى صامتة في ظل أوضاع معيشية صعبة، انعدمت معها كل مقومات الحياة، فلا كهرباء ولا ماء ولا نفط، وارتفعت أسعار المواد الغذائية والدوائية وتوقفت وسائل المواصلات حتى بلغت ضائقة العيش مداها، فبلغت القلوب الحناجر وبقي المتصارعون يتبادلون الاتهامات وكل طرف يحمل الآخر مسؤولية قطع الطرقات وإتلاف الكهرباء وإخفاء النفط وبيعه.. والمواطن في حيرة من أمره، والإعلام بميوله المختلف يمارس الكذب القبيح والإسلام يحرم الكذب والكذاب منقوص الإنسانية.
والمواطن يريدها حقيقية، ساطعة، تنقل الحدث وتسلط الضوء على نتائجه، فقد عانينا طويلاً من الوعود الانتخابية المكذوبة والمشاريع الوهمية، فليس التضليل الحالي والذي تمارسه وسائل الإعلام وليد اللحظة ولا نتيجة للترددات التي أفرزها الزلزال الثوري، ولكنه امتداد لحالة زيف عاشتها وفرضتها السلطة على امتداد حكمها الأسري حتى صار الكذب هو المسيطر على وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمطبوعة، كذب يلحظه الطفل البريء قبل الكبير المسيس.
وما يردده الإعلام عن حالة الرئيس وأركان حكمه، إلا دليل على إفلاس الإعلام والسياسيين حتى فقد المواطن الثقة بهم وبأقوالهم، فالنظام يقول إن الرئيس سيعود خلال يومين ليمارس مهامه، ويأتي نقيضه ليقول: سيعود من خلال الصندوق ولا تدري أي صندوق أهو صندوق الانتخابات الذي وعد الرئيس قبل الحادثة بعدم الترشح فيه؟ أم صندوق الخشب "التابوت" الخاص بالموتى؟.
نريد أن نعرف الحقيقة، لنبني مجتمعاً جديداً، تسوده المصداقية والرؤية الموضوعية، لا نريدها كذبة مهدئة، ينتهي مفعولها بزوال "البنج"، قد تنقلب إلى جرعة قاتلة.
نريد أن نعرف من الذي حول مدننا إلى مدن أشباح، تسودها الرعب وأصوات الأسلحة الثقيلة التي تدك منازل المواطنين؟، لقد بات أطفالنا يميزون أصوات الطلقات ويرددون بتساؤل: "تيت.. تيت.. الرئيس حي وإلا ميت".
عمر علي الدبعي
الحقيقة الغائبة.. 2161