خمسة أشهر ونيف من عمر العام الجاري 2011م مرت على هذا البلد الموسوم عبثاً بـ(السعيد) مختلفة تماماً في كل شيء تقريباً، خمسة أشهر جاءت كل أيامها ولياليها، مغايرة لم يألفها المواطن اليمني من قبل ومنذ أن رأت عيناه النور.
مرت كل أيامها نضال وأيامها صمود وأحداثها سلمية، أيام وليال قضاها ملايين اليمنيين مفترشين أرض الساحات والميادين والشوارع العامة في صنعاء وعواصم المحافظات اليمنية قاطبة وجمعت كل الأجناس والأعمار والانتماءات ، احتضنت كل الثقافات واستوعبت كل الأفكار ولملمت شتات الاختلافات والانقسامات ووضعتها تحت مظلة واحدة أسمها الوطن وصهرتها في بوتقة واحدة هي البحث عن الحرية والعدالة والمساواة.
أيام عاشها اليمنيون معاً، اجتمعوا خلالها معاً على هدف واحد ومطلب موحد واحد واتفقوا على طريقة تنفيذ واحدة وأدوات تنفيذ الهدف والمطلب واحدة أيضاً، متسلحين بسلاح السلمية المتحضر.
خمسة أشهر ونيف هي عمر الثورة الشبابية الشعبية اليمنية السلمية التي ضرب بها المشاركون فيها من ملايين اليمانيين بمختلف مشاربهم- أروع الأمثلة في الصمود والتحدي، وأكدوا خلالها وبرهنوا حكمتهم اليمانية التي وصفهم بها خير ألامه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
ثورة شعبية سلمية انتزعت آهات الإعجاب وعبارات الإشادة عنوة من أفواه الساسة والمحللين والمختصين بالشأن السياسي في العالم وكذلك الشعوب في المعمورة كافة، اتفق العالم كله تقريباً على روعتها وأشاد بسلميتها وأعجب بصمودها وتحمل وصبر الثوار المشاركون فيها.
ثورة خضب شبابها الأرض بدمائهم الزكية النازفة منذ البداية وما يزالون بفعل ضربات النظام القاتلة التي وجهت لها ولهم ، ثورة معطره بعطر البارود المنبعث من فوهات بنادق النظام والمستقر في صدور وأجساد شباب الوطن المحتسبين والصابرين في ساحات وميادين الوطن ، عطر دماء وبارود انتشر بفضل رياح الثورة في أرجاء الوطن ومنه إلى خارج الحدود، ناشراً عبير الإرادة الثورية الفولاذية والرغبة الجامحة في التغيير والحب الجنوني الجارف لصناعة المستقبل المشرق لأمه صنعت المجد وسطرت في كتب التاريخ البشري أروع الملاحم النضالية والثقافية والحضارية التي صنعها بمهارة وإتقان الإنسان اليمني ، أمة ضربت المثل في الصبر والتحمل والانتظار، وعندما استشعرت عدم جدوى صبرها وانتظارها لبزوغ فجر عهد جديد يجلب للإنسان اليمني عيشاً كريماً وحياة مستقرة كأمم الكون ، صبر وانتظار دام زهى ثلاثة عقود ونصف العقد من الزمن عندها هب الشعب عن بكرة أبيه لانتزاع حقه الذي كفلته له كل الاديان والشرائع السماوية المنزلة وكل القوانين والأنظمة الدنيوية وبسلمية، غير مبالياً بردة فعل النظام الذي فشل وأثبت فشله في توفير تلك المطالب البسيطة لشعبه.
شعب هب كالطوفان مندفعاً صوب ساحات وميادين وشوارع الوطن ملتصقاً ببعضه، شابكاً أياديه ببعضها، مطالباً وبصوت واحد نظامه الحاكم الفاشل بالرحيل، شعب هتف بصوت ونبرة موحدة واحدة سافر أصداه في سماء الوطن مزلزلاً أركان وأساسات قصور الحكم، جاعلاً الأرض تموج وتتحرك تحت أقدام رأسه وأركانه من الطغاة والفاسدين ، شعب غاضب وفي ثورة أحرج النظام نهجها السلمي وصمود شبابها وبث الجنون في رأس النظام وجحافله وبلاطجته الذين لم يتوانوا لحظة واحدة في تصويب ما تمتلكه الدولة من إمكانيات عسكرية ومادية نحو صدور شبابها الثوار.
نظام لم يتردد إزاء عنفوان الثورة في إحراق كل شيء ينبض بالحياة في الوطن من إنسان وأمكنة ومقتدرات ومكتسبات ليست ملكه، بل ملك شعبه الأبي الجبار والصبور ، نظام فشل كعادته في إخماد نيران ثورة شعبيه لم يشهدها تاريخ هذا الوطن من قبل أبداً، رغم استخدامه كل أساليبه المعتادة بدءاً بمحاولات شراء الذمم والولاءات، مروراً بمحاولات بث الفرقة بين أبناء الوطن، وانتهاءً بتوجيه كافة أنواع الأسلحة إلى صدور شبابها الإبطال وإسقاط المئات منهم شهداء عند ربهم يرزقون وآلاف الجرحى كذلك.
ثورة تعدى عمرها الشهور الأربعة، قدم شبابها تضحيات جسام لا تعوض، أمام صمودها تهاوى النظام وسقطت الكثير من قلاعه وحصونه العتيقة، وبدت بجلاءً نهايته قريبة جداً، وبدا نصرها أقرب وأقرب.
أحمد بوصالح
فلتنتصر ثورة تعطرت بالدماء والبارود.. 2388