الناس على دين ملوكهم، هكذا يبدو حال اليمنيين هذه الأيام، فبعد أن كان التهريب للديزل شغلة الكبار من النافذين والمقربين من صاحب القرار، اليوم التهريب وظيفة يومية للكثير من الفئات المجتمعية، فهذا صاحب سيارة الأجرة أو الباص صار مهرباً للبنزين والديزل، وذاك التاجر والموظف والمرافق والمتقاعد والمسؤول المحلي والقائد العسكري والأمني والشيخ والعاقل وووإلخ، معظم هؤلاء إلا من رحم ربي وجدوا ضآلتهم بأزمة الوقود، كأنهم اكتشفوا لتوهم طريق السماسرة والمهربين .!
فيكفي أن تستخرج برميل ديزل بـ17 ألف ريال لتبيعه في السوق السوداء بـ"60-80" ألف ريال وبلمح البصر، يكفي أن تستخرج دبة بنزين بـ1800ريال لتبيعها بـ"4000-5000" آلاف ريال، إنها تجارة رابحة لا تستدعي أكثر من الفهلوة والشطارة والحيلة وقلة الحياء .
فما جدوى الانتظار في الفرزة لتقل ركاباً إلى صنعاء أو عدن إذا كان بيع دبة بنزين أو ديزل سيغنيك من عثاء السفر؟ لماذا يفتح التاجر دكانه والبنشري ورشته؟ ولماذا ناقلة المياه أو القصب ستنقل ماء أو قصباً إذا كان قيمة ما تشربه هذه الشاحنة يوازي عشرة أضعاف ما تحمله؟ لماذا على مزارع القات عناء السقي والحرث والرعاية لهذا القات إذا كان ما يجنيه من عائد الديزل المستخرج في يوم أو حتى أسبوع يضاهي محصول سنة؟.
شيء مخيف ومرعب هذا الحاصل في محطات الوقود ، لا أزمة حقيقية في المحطات ، المشكلة ليست في كمية الديزل والبنزين الواصل إلى المحطات وإنما المشكلة في أن الجميع يريد وقوداً ، الجميع يخزن .. يبيع ويشتري ، الكل يشرب .. يُهَّرب .. يعاني من أزمة خانقة .. يتاجر ويسمسر .. يقف في الطابور .. يدفع الإتاوة والزيادة ودون تردد ودون اعتراض .
المسئول الأول في المحافظات بلا سلطة على هذه المحطات ،مكاتب الصناعة والتجارة لا توجد لها سلطة رقابية أو إشرافية حقيقية وفاعلة على المشتقات النفطية المدعومة سعرياً من الدولة ، انطفاء الكهرباء المتكرر بدوره زاد من حدة الطلب على الديزل والبنزين .
لا أدري لماذا لا نعلن للحكومة برفع الدعم لتكفينا تهديدها وشر جرعها الآتيات؟ فلم يعد هناك ما يستوجب دعمها للمشتقات النفطية بعد أن بات اللتر الواحد أشبه بلبن العصفور، كنا نقيم الدنيا إذا ما زادت الحكومة عشرة أو خمسين ريالاً والآن لا نحرك ساكناً إزاء مئات وآلاف الريالات، كنا نثور على زيادة طفيفة تذهب لخزينة المالية واليوم فضلنا الصمت أو الدفع لزيادة جنونية تذهب لجيوب السماسرة والمهربين الجدد .
فبدلاً من كون المشكلة مقتصرة على وسائل النقل وماكينات المزارعين زادتها إنقطاعات التيار العمومي اتساعاً وعمومية بحيث وصلت إلى غالبية السكان تقريباً والذين اضطرتهم هذه الانقطاعات اليومية إلى شراء مولدات خاصة كل بحسب قدرته ، ولكم تصور حجم الطلب للبنزين والديزل إذا كان الماطور الصيني سلعة رائجة ومستخدمة في المنازل والمنشآت والمرافق وحتى البوفيهات .!
في الأمس القريب كان التهريب مقتصراً على الديزل الفائض الذي يتم بيعه في البحر والبر من أساطنة التهريب، اليوم المواطن العادي، العاطل عن العمل، الجندي الضابط القائد المسؤول المحلي سائق الأجرة صاحب القاطرة المحطة، الكل في هذا البلد يسير على خطى حكامهم المُهَّربين البائعين للغاز والنفط والغذاء والدواء والكرامة والسيادة