عندما نمر بظروف عصيبة تترك أثرها في نفوسنا، لا بل إنها تغيرنا، فعلى سبيل المثال قبل خروج الشباب إلى الساحات ودخول البلاد في هذه الأزمة كنت شديدة التفاؤل.
أما اليوم، فلست كذلك، فمن أين سيأتي التفاؤل وأنا أرى طوابير طويلة من أجل الوقود؟، وكيف سيغزو التفاؤل كل مواطن يمني وهو قابع في الظلام الحالك؟، كيف لي أن أتفاءل وأنا أرى عائلات لا تملك حتى ثمن شمعة؟.
نعم، هناك عائلات يعمل معيلوها في القطاع الخاص، ومع تدهور الأوضاع وتوقف الأعمال أوقفت الكثير من الشركات الخاصة أعمالها، ولم تستطع حتى سداد مرتبات موظفيها، كثيرٌ هم من يعانون، ولكنهم صابرون حتى يأتي الفرج من عند أرحم الراحمين.
قال لي أحدهم إنه لا يملك إلا الصبر والحلم بأن تنفرج الأزمة وتتحقق الأحلام التي لطالما حلمنا بها، فقلت له وما هي أحلامك؟ ماء لا ينقطع، كهرباء لا تنطفئ، رواتب تزيد لا تنقص، هل هذه هي أحلامك؟، فأجابني: أنا مواطن بسيط لا أحلم إلا أن تتوفر لي حياة كريمة، هل هذا كثير؟ قلت لا والله ليس كثيراً عليك أبداً، ولكن ألا تحلم بالعدالة الاجتماعية وبالقضاء على الفساد والتوزيع العادل للثروات، أجابني على الفور: إذا وصل الماء إلى كل منزل دون انقطاع وإذا أضاءت الكهرباء كل الأحياء دون انطفاء، وإذا حصلنا على رواتب تساعدنا على مواجهة متطلبات الحياة، فهذا معناه أننا نعيش في مجتمع مثالي لا تشوبه أية عيوب، قلت صحيح، لقد صدقت، وكنت معجبة برده، منبهرة.
والحقيقة إذا نظرنا إلى واقع بلادنا، سنرى أنها تندفع إلى انهيار اقتصادي واجتماعي، هذا الانهيار يحدث الآن، لأن الأجواء كانت مهيأة له من قبل، وقد كنا دائماً ما نسمع الشعارات التي تنادي بالإصلاح الإداري والسياسي والتي تبين لنا فيما بعد أنها أقراص مهدئة أو مخدرة لأوجاع مزمنة، تحاول تأجيل الانفجار المؤكد.
والدليل على ذلك هو هل سألتم أنفسكم يوماً عن بعض هذه الشعارات والتي مللنا من سماعها وعن معناها؟ فدائماً كنا نسمع عن شعار مكافحة الفساد:
- هل هو زيادة المرتبات والعلاوات لكل موظف يسرق المال العام؟
- أم ترقية المسؤول الكبير إلى منصب أكبر إذا ساهم في فرض عمولات على صفقات رسمية، تضاعف رصيده في البنك؟
- أم تشجيع أي مسؤول يستغل مركزه ويعين الأقارب والأصحاب؟
هذا هو المعنى الحقيقي لمكافحة الفساد في بلادنا شئنا أم أبينا.
أما إذا أردتم معرفة المعنى والمقصود من مكافحة الفقر في بلادنا -طبعاً لا تنتظروا أن أحدثكم عن العدالة في توزيع الثروات أو توفير الوظائف للجميع وإلى آخره من الكلام الذي لا نجده على أرض الواقع- فمكافحة الفقر لدينا تعني حقيقة تركيز الثروات في أيدي أقلية متنفذة في البلاد، وأيضاً تعيين الأقارب والأهل والأصحاب وإهمال الشعب، نهب المال العام وأكل خيرات الشعب، إحالة المواطن للمعاش الإجباري.
هل تريدون أعزائي القراء معرفة معانٍ حقيقية أكثر، أم يكفي ما قرأتموه؟! أظن بأنه يكفي، أتعلمون لماذا؟، لأن المواطن اليمني هو الوحيد الذي يعلم المعنى الحقيقي لكل الشعارات الرنانة، لأنه وبكل بساطة هو من يعاني منها.
