الرئيس لن يسلم السلطة،فهذه مسألة بديهية لا تستدعي الجدل أو الخلاف ومن يعتقد أن الرجل سيسلم الحكم لنائبه عبد الربه أو غيره وليكن نجله أحمد فهو إما واهم وغارق في وهمه وإما أنه لا يعرف شيئا عن طبيعة وسيكولوجية الرئيس صالح الذي جل همه وتفكيره وسلوكه منصبا بالبقاء في الرئاسة ولو أستلزمه ذلك القتل والعبث والتنكيل والتشريد على أن يترك السلطة ويغادرها طوعا أو كرها، أنه باختصار مهندسا بارعا في البقاء لا البناء.
من يظن أن الحادثة جعلت صالح مؤمنا بنقل السلطة إلى خلفه أو أنه تعلم منها شيئا ذو قيمة واعتبار لنهاية كريمة فينبغي له مراجعة خطأه، فالحاكم الذي أجاد وأتقن صناعة الأزمات والمشكلات لا يمكن لحادثة إعادته لجادة الحق والصواب فعلى العكس ربما زادت من تبعات انحرافه الفكري والذهني والسلوكي ولدرجة الانتقام والثأر من الجميع.
لسنوات وصالح يخطب فينا عن سأمه وملله من الحكم، هناك من صدّقه بأن السلطة مغرما لا مغنما، لكنه الآن يرفض ويتصلب ويستميت دفاعا عن كرسيه المثقل بالذكريات المؤلمة وبالممارسات المهينة لسلطته ومسئوليته، لعهد طويل والسلطة تكليف لا تشريف، لكن وحين استدعت المصلحة الوطنية تكليف شخص أخر حقنا وصونا للدماء وحفظا للوحدة الوطنية ولمكاسب ومنجزات الثورة ولمبادئ وقيم الجمهورية، رأيناه متشبثا بالرئاسة لحد تلويحه بافتدائها بالدم إلى الركبة.
فلم تفلح معه كل المساعي المبذولة من الأشقاء والأصدقاء، أنه يؤكد حقيقة السلطة في اليمن والتي لم تكن قط مغرما وتكليفا بل مغنم وفيدا وثراء على عكس ما ذهب إليه شاعر صالح المحبب القائل: أتعس الناس من يمتطي الليث أو يحُكم اليمن.
لو أن هناك شعورا بالذنب؛ لكان الأولى بصالح الانتحار على الطريقة اليابانية، ولكنه من الصنف الغريب والنادر، فليس في قاموسه إلا البقاء في السلطة مدى الحياة ولو أستلزمه القتل والخراب لكل شيء، رئيس لا يشعرك يوما أنه رئيسا لبلد تعداده الملايين، أنه أنموذج من المجنون القذافي الذي بدد ثروة ومقدرات بلاده على نزواته وأهوائه الشخصية.
أعطوني مشروع واحد نجح فيه الرئيس سياسيا أو اقتصاديا أو تعليميا أو طبيا أو ثقافيا أو سياحيا أو خدميا ! تأملوا جيدا في الوحدة الوطنية وما أصابها من تمزق بالغ طال صميم الإنسان اليمني وروحه، أكثر من نصف اليمنيين تحت خط الفقر، اليمن البلد الوحيد المهدد أهله بالتقزم وربما الانقراض نتيجة لسوء التغذية، لا يوجد لدينا ما نصدره ونسوقه للعالم غير جماعات الإرهاب والقرصنة.
السلطة مسئولية مثقلة بالواجبات والتحديات، الرئاسة في اليمن تفتقر للكثير من المهارات والمعارف والانجازات المحققة للمواطن معيشيا وتعليميا وصحيا وخدميا وتنمويا وترفيهيا، إصرار الرئيس على البقاء في السلطة لا يشي بثمة احترام لهذه المسئولية، الناظر في فعل صالح وسلوكه ليس بحاجة لمعرفة كم هي حاجة اليمنيين لرئيس يقودهم نحو نجوم السماء لا رئيسا ينحدر بهم إلى ثرى الفناء؟؟
لا أعجب كثيرا إزاء إلحاح الرئيس على عودته وصيرورته حتى 2013م فالرجل نسخة من القائد المهووس معمر ألقذافي الذي لا يتصور ليبيا من دونه وأبنائه سيف الإسلام والساعدي وخميس ومنيار، صالح المجهد بدنيا ونفسيا وذهنيا لا يجد حرجا من الظهور وهو بتلك الهيئة المرثية المهينة لليمنيين، لا شيء لديه ينبغي تبجيله وتوقيره،لا يوجد لديه ما يخسره أكثر من كرسيه.
تصوروا شخصا أبى أن يكون رئيسا لدولة ويفضل قيادة عصابة من الأبناء والأقرباء، ومع سوء ما أقترفه من جرائم فادحة بحق شعبه مازال يتوعد بالمزيد من الصوملة والقاعدة وقطع الكهرباء والغاز والبنزين والحرب،ألم يهدد ألقذافي بتدمير طرابلس في حال دخلها الثوار، صالح سيدمر كل شيء ولن يذعن لمبادرة أو نصيحة،فالرئيس الذي لم يكن يوما رئيسا لدولة وشعب خلال "33" سنة كيف له أن يصير رئيسا ولو للحظات؟؟.