إلى أين تمضي بنا يا بلد، وكل شيء يهرول باتجاه التعب والفوضى.. إلى أين..إلى أين نحن سائرون ونحن نجهل المسير ونتزاحم في السير ونتسابق على طوابير المعركة في الغاز والبترول والحنين إلى قنديل غرفة يضيء؟!.
إلى أين تتجه المحاورات أو المناورات أو المنافقات أو المناكفات ونحن لم نستقر على ما جعل الإنسان ودياً والوطن من وردة وحب؟.
مفارقات كلها تؤدي إلى الذعر والوحشة وتجعل الذاكرة مليئة بالمرارة وحمى الأسئلة.. هل هذا النكد صار قوتنا اليومي؟.. هل خنا الوطن لنكون فيه تعساء بحجم التعاسة كلها؟.. لا نعرف سوى أن حشوداً وحشوداً مضادة تتواجد بشراهة منقطعة النظير ولغة التحدي والعنتريات هي عنوان القادم الذي لا يريد السكون ويهيئ للعاصفة.. وإذاً فنحن أمام تجهم المستقبل وقوى لا تترفع من أن تكون في اليابس وطنياً وأخلاقياً، تزج بالساحات إلى معترك الألم، باسم الثورة وتنسل منها تحت ذريعة حوار لا يقبل الثورة.
تتحول إذاً الثورة من مطلب وجودي وفعل تغييري جذري إلى معالجة سياسية باسم الحكمة وكثيراً من المؤامرة، والمؤامرة في هذا البلد أن الجميع أمام رغبات طائشة يريدون ولا يريدون، يعلنون ويسرون في آن، ويتبادلون الشتائم ثم يتصالحون، ونحن بينهما نبحث عنا.. نريد وطناً خالياً من مصادرة الفكرة قبل أن تنوجد والإنسان قبل أن يولد.. نريد أن نكون كما الآخرين، لنا مالنا وعلينا ما علينا، نريد أن نذهب إلى أبعد مدى في الحب ونتشارك الحياة وهم يريدوننا بين مقبل ومدبر، كر وفر، إدانة وإدانة مضادة، مسلحين بكل أنواع الخوف ومدججين بالقهر بلا سابق إنذار، ينتظرون الدمار الكبير فيما نحن ننتظر وطناً خالياً من مجنزراتهم وخوذات جند، حيث صارت الرصاصة هوية يومهم بلا سبب وكأننا إزاء هذا الوطن المحتل لا نجد حرياتنا ولاذواتنا ولا أحلامنا ولا نجد الوردة قابلة للتفتح ولا الصباح مليئاً بالحيوية، لا نجد غير ماهو مؤلم من ذعر وهلع وسؤال متى تبدأ؟.
أي سباق مجنون على الموت من أجل الموت وتدمير وطن وإنسان؟!.. أي قوم هؤلاء يريدون مصادرة البشر أحلامهم في الحرية والتغيير؟.. هل يعقلون معنى هذه المطالب المشروعة؟ هل يتخلون عن التمترس لقمع الحلم الجميل ووأده؟!.
وإذاً تباً لهم حين لا يفقهون الإنسان معافى، يريد حضوره اليومي في جغرافيا الفرح فقط.. مطلب بسيط لا يحتاج إلى كل هذا الزكام والأنفلونزا المعدية باتجاه إشعال فتيل الحرب وتأزيم كل ما هو في هذا الوطن تحت شعار "عليا وعلى أعدائي،" تأزيم في العلاقات الإنسانية وفي التواجد الاجتماعي لا معنى له سوى الإدعاء بامتلاك شروط الشرعية، أية شرعية نرحب بها، نريدها فعلاً، نبحث عنها، نقبلها ونقبلها ونحترمها حد الثمالة، فقط أين هذه الشرعية؟.. ما طعمها؟.. ما لونها؟.. وكيف نصل إليها؟.. ما الذي يجري في هذا البلد من مغالطات بلاحدود، كل يدعي وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهم بذالك من أحزاب كرتونية ألفت المؤامرة والاختباء كالجرذان في القبو إلى عسكرتارية تتحدى بزوغ الفجر وترصد نجنة تضيء؟!.
هل هذا وطن أم جرح نازف؟ هل نحن كما نحن أم أننا بين هذا الصراع نحمل أكفاننا بدلاً من غرس الزهور وترتيب المواعيد الأنيقة بيننا؟، نسأل ونغيب تماماً في مجاهيل الذاكرة.. لم نعد نقدر على معرفة ما الذي يتسابق عليه هؤلاء المنقادون إلى حيث المصطلي ألماً؟! وعن أية نظام يدعون و هو أعجز من أن يؤمن كهرباء ليوم واحد أو قنديلاً في غرفة واحدة ويلقي معاذيره على مشترك لا نقر به ولا يقر بنفسه ولا يعرف أنه مشترك إلا لحظة حوار؟ في الحوار يحضر المشترك باسمه وطعمه المالح، يحضر غبياً ويغادر بلا متحقق فيما الوطن يأكله الوقت ويتآكل من الداخل وفق مغالطات تتجه من على رأس الهرم وحتى عاقل حارة ورب منزل متواضع يكذب على أطفاله أن سيشبعهم عدساً في اليوم التالي.
مغالطات تجر إلى حيث انهيار منظومة أخلاقية ليكون القول الفصل للبندقية مشرعة صوب الحرية.. الحرية التي لا تكون.. التي نلاحقها منذ زمن طويل ولم نعثر عليها.. ولم تجب علينا مرة أين هي مدسوسة..كأنها منذ غيابها الغير معلن وحضورها تزييف تريدنا شهداء باستمرار، فيما الآخرون في أوطانهم البعيدة تمنحهم الحرية كل إيقاعات الروعة وطريقة بناء المستحيل.
الآخرون الذين لا يتحاورون زيفاً ولا ينافقون في قضايا الإنسان ويحترمون حريته وحلمه الجميل، يقدرون أن يجعلوا وطنهم ـ وقد فعلوا ـ قناديل مضاءة وحدائق وأعناب وكواعب أترابا.. إنهم يبنون جنتهم ونحن نبني جحيمنا.. الآخرون يعترفون بحق الحياة ونحن بحق الممات.. هم يفكرون في المستقبل ونحن نستجر الماضي ببؤسه.. نرحل فيه بإغواء شديد وبلا ذاكرة وكأن وطننا هذا ليس سوى جحيم إضافي يأتي به المتسلطون كوجبة لا فكاك منها تبدأ من أول حوار إلى آخر طلقة، ربما.. ربما.. ربما.