أحياناً أتعجب من حالة اليأس التي وصلنا إليها أو أوصلتنا إليها الظروف ربما صدفة وربما عن قصد وتدبير من أيادي كانت تبدو خفية إلى حين.
لا ادري لما صار عند البعض شبه قناعة أننا شعب مغضوب عليهم كتب عليه الشقاء والبؤس وان لا أمل لنا في أن نتغير ونصبح مثل بقية خلق، الله شعباً له مكانه وقيمه وموقعاً مهماً في خارطة البشرية.
هناك اعتقاد راسخ لدى الكثير انه لا يمكن أفضل مما كان، لذا فإن لا أحد يمكن أن يأتي بأفضل مما جاء به علي عبد الله وليس هناك بديل له مع أن تعدادنا وصل الخمسة والعشرين مليون إلا أن لا احد يستطيع أن يمسك زمام البلد إلا علي.
ترى ما السر العجيب وراء هذا الاعتقاد المدمر الذي هو في اعتقادي احد أهم الأسباب لتأخر نجاح الثورة، فأن يصبح هذا هو شعور عدد لا بأس به من الناس، فذلك شيئ محزن ومخيف وبإمكانه أن يؤخر أو يفشل أي محاولة للتغيير والنهوض بهذا البلد أو إخراجه من كل المآسي التي تحيط به من كل الاتجاهات.
أحاول أحياناً فهم أصل الحكاية وفك اللغز فلا أجد وسيلة سوى العودة إلى بداية حكم علي عبد الله ومحاولة معرفة الخلطة السحرية التي سقى منها شعبه، فأوصل بعضهم إلى العيش برضا وقناعة مع هذا الإحساس المهين.
منذ ثلاثين عاماً وأحوال الناس والبلاد هي كما هي لا تغيرات هامة أو جذريه، حصلت هناك مدارس بنيت وجامعات أنشأت ومعاهد أسست لكن ما نوع العلم الذي يتلقاه الطالب فيها وبأي وسيلة وهل المدرس على درجة عالية علماً وخلقاً حتى يستطيع أن يربي جيلاً واعياً ومثقفاً يعتز ببلده ودينه وعنده القدرة على تحمل مسؤوليته تجاه وطنه وأمته ويمتلك الرغبة في العمل بجد من اجل أن يصبح رقماً صعباً في حسابات البلدان المتقدمة؟، أكيد كلنا يعرف الإجابة، نعرف جميعا أن مدارسنا تخرج لنا أجيال محبطين يائسين يدخلون المدرسة وكلهم أمل ورغبة في العلم ويخرجون منها متذمرين من العلم ومن اليوم الذي درسوا فيه
وفي مدارس الأولاد بالذات تشعر حين تتأمل في حالها أن هناك فعلا إرادة عليا بنية مسبقة في أن يجعلوا من الشباب امساخاً لا يفقهون قولا ولا يعرفون للعلم وزناً والاسوأ من هذا كله جعلهم يشعرون بشيئ من احتقار الذات وعدم الثقة بالنفس، فماذا سيتعلم الطالب في دوام يبدأ السابعة وينتهي العاشرة أو الحادية عشرة في أفضل المدارس وفي اغلب أيام الدراسة يكون المدرس غائب أكثر من الطالب وإذا حضر فلا أكثر من اكتبوا واحفظوا ومن يكنس الحوش أو يرنج السبورة، فسيحصل على درجة نهائية في أهم وأصعب المواد حتى يعمق في ذهن الطالب شعور بان لا فائدة من المذاكرة والاجتهاد بما أن الغبي والذكي لا تفصل بينهم سوى حق التخزينة أو ثمن علبه رنج.
أكيد كانت هناك خطط ونوايا متعمدة لجعل الناس ينفرون من العلم ويفضلون السفر إلى الخارج والعمل في وظائف حقيرة وبسيطة وتحمل القهر والذل على أن يعيش في بلده، لأنه لا أمل عنده في العيش بكرامة في بلد لا يعلم الإنسان كيف يحترم إنسانيته ولا كيف يصنع مستقبله لهذا نحن أكثر شعوب العالم تخلفا، ليس فقط من الناحية العلمية ولكن من ناحية أننا لا نملك وعياً يمنحنا الشعور بقيمتنا كبشر ومواطنين ولهذا مازال البعض يرى لعلي صالح الفضل في انه قبل أن يحكمنا وهذا هو ما أراده الحاكم، جعل الناس يعيشون تحت شعور أنهم مجرد رعايا عنده وان له الفضل والمنة في كل ما يقدمه لهم من فتات خيره الوفير .