في تناولات سابقة قلنا بأن هنالك فرقاً شاسعاً ما بين نظامي مبارك في مصر وبن علي في تونس وبين أنظمة القذافي وصالح والأسد في ليبيا واليمن وسوريا على التوالي،ففي الأولى استولى النظامان الحاكمان على الدولتين المصرية والتونسية بينما في الثانية استولت العائلة والطائفة على مقاليد السلطة والقرار في كل نظام.
البعض تجده يتساءل كيف أن الثورتين المصرية والتونسية أسقطتا رأس النظامين وفي مدة لا تزيد عن 18و28يوماً فيما ثورات اليمن وليبيا وسوريا مازالت لم تحسم أمرها وبعد مضي أشهر؟ ألإجابة هي أنه وحيثما وجدت الدولة كان الحسم مبكراً والعكس صحيحاً أيضاً.
فثورتا مصر وتونس أسقطتا رأس النظامين الذين نجحا في مسالة المزاوجة بين نظام الحكم والدولة، السلطة ومال الدولة ومقدراتها،لكنهما بالمقابل فشلا في البقاء في السلطة، فبرغم محاولتهما المستميتة إلا أنهما في النهاية رضخا لضغط الجماهير المطالبة بسقوط نظامهما فكان ولابد من فرار الرئيس زين العابدين إلى جدة ورحيل الرئيس مبارك إلى شرم الشيخ.
ثورات ليبيا واليمن وسوريا مشكلتها تكاد متشابهة، فالحكم هنا ليس لنظام الحزب الواحد كما هو في الحالتين المصرية والتونسية اللتين حكمتا زمناً طويلاً من قبل الحزب الوطني المصري والتجمع الدستوري التونسي، فعلى العكس العائلة والطائفة هما الحزب والنظام وربما الدولة مثلما هي الحالات الثلاث.
وجود الدولة في مصر وتونس حال دون تمكين عائلتا مبارك وبن علي من استخدام الجيش وترسانته الحربية في قتل وقمع الثورتين، في اليمن وسوريا وليبيا استأثرت العائلة والطائفة على كل مقدرات الدولة العسكرية والأمنية والمالية وغيرها من أدوات الدولة البوليسية القمعية.
نعم، نظام مبارك وبن علي استأثرا بالدولة وإمكانياتها وبرغم سطوتهما وحكمهما الفاسد والعبثي بقى نظاماهما المسيطران على الدولة وسلطتها، لذا كان ولابد من سقوط النظامين في ظرفية أسابيع،إما في الثورات السورية والليبية واليمنية فالنظام مغتصب من العائلة والطائفة وعليه فإن هذه الثورات لا تواجه نظاماً سياسياً شمولياً وتقليدياً وإنما تواجه نظاماً عائلياً وطائفياً لديه من القوة العسكرية والبوليسية ما تجعله أكثر بطشاً وعنفاً واستماتة في المقاومة.
على هذا الأساس القوة والمال والإعلام وغيرها هي بيد هاتين الفئتين لا بيد الحزب الواحد الحاكم صورياً، من يقاوم الآن ليس النظام بل العائلة والطائفة المهيمنة على السلطة الفعلية، فمن حسن حظ اليمنيين أن في بلادهم تعددية حزبية وحريات لا بأس بها مقارنة بغيابها في سوريا وليبيا، فلولا أن اليمنيين اعتادوا التظاهرات الشعبية وهذا التنوع والتعدد في المشارب والأفكار والأحزاب والصحف وهذا الانقسام الحاصل في الجيش لكانت ردة فعل أسوأ عنفاً ودماراً من ليبيا وسوريا.
محمد علي محسن
الثورات وحُكم العائلة والطائفة 2579