المجلس العسكري في مصر اتهم صراحة حركة "6" إبريل بتنفيذ أجندة خارجية وبتمويل أجنبي، اللواء/ عبدالمنعم الكاطو -القيادي في التوجيه المعنوي للجيش- وصف تظاهرة معارضة للمجلس العسكري بالمؤامرة على الثورة، بل ووصل الأمر به إلى اتهام اثنين من مرشحي الرئاسة بتلقي الدعم وبالتآمر على مصر، وحين سألته مذيعة البرنامج في قناة دريم: ما إذا معلوماته الخطيرة يسندها دليل وبرهان أم مجرد تخمينات وتكهنات؟ أجاب: إنها تخمينات، ولكنه وزملاءه لن يألوا جهداً في كشفها للشعب المصري.
لماذا حركة "6" إبريل الشبابية ولماذا اثنين من المرشحين؟ الإجابة ببساطة لأنهما قالا لا للحكم العسكري ولا للمشير الطنطاوي ولا لبقايا العهد البائد، فحركة الشباب المشهود لها بمناهضة مبارك ونظامه خلال العامين المنصرمين عبر "الفيسبوك"، قبل أن تصير حركة شعبية في ثورة 25 يناير لم تفعل شيئاً تُجرم عليه، غير أنها دعت لتظاهرة من ميدان التحرير إلى مقر المجلس العسكري، فلمجرد أنها نددت بقيادته التي لم تكن عند مستوى المرحلة الانتقالية، كان ولابد من تخوينها وتحميلها وزراً لم تقترفه.
كذلك هو حال المرشحان اللذين لم يسلما من التخوين والشك بوطنيتهما، فلا جنحة عليهما غير أنهما غفلا أن الثورة أسقطت رأس النظام، فيما الجسد مازال حياً وبإمكانه استبدال رأسه بعشرة رؤوس.
ليت المسألة تقتصر على ثورتي مصر وتونس لهانت، ولكنها تتعلق بثورات الأمة العربية جميعاً، فالثورات التحررية في القرن الفائت قارعت وقاومت الاستعمار الأجنبي والنظم الرجعية المستبدة بكل السبل والوسائل، فكان حصيلة هذا الثورات أنها تخلصت من حُكم مستعمر خارجي ومن حاكم طاغية ثيوقراطي محلي واستبدلتهم بحُكم عسكري، ديكتاتوري، بوليسي، عبثي، النتيجة بالطبع كارثية ومأساوية، ضاعت فيها أمة بكاملها لأكثر من نصف قرن من الزمن.
القضية أننا جميعاً نعاني من إرث ثقيل اسمه حُكم العسكر، إنها المعضلة ذاتها التي كان لأوروبا الشرقية وأميركا اللاتينية وشرق آسيا وغيرها من الدول المدنية الديمقراطية أن قامت ونهضت حديثاً وعلى أنقاض تلكم النظم العسكرية والشمولية المستعبدة لمجتمعاتها، وبذرائع شتى كحماية الوطن والمواطن أو... أو.. إلخ من المفردات المخونة للآخر.
هذه الثورات يجب أن لا تكتفي بإسقاط رأس النظام، فمثل هذا المنطق الثوري أضاع الدولة المدنية التي كانت سائدة أبان وجود المستعمر الأجنبي في مصر والجزائر واليمن والعراق وسوريا وغيرها، بل ويحسب له إجهاض الثورات التحررية في الخمسينات والستينات من القرن العشرين، وعليه فإن هذه الثورات الشعبية ينبغي أن لا تكرر خطأ الثورات المسلحة.
فالقائد العسكري أياً كان موقعه وتأثيره في نجاح أية ثورة لا ينبغي له أن يكون سياسياً، فلم يدمر مقدرات هذه الشعوب سوى حين انحرفت مؤسسة الجيش وقادتها عن مهمتها الأساسية المتمثلة بحماية السيادة والشرعية الشعبية والمكتسبات والنظام والدستور، فمنذ أن بات القائد العسكري شغله حماية الحاكم وسلطته ونصب عينه كرسي السلطة، وليس جبهته العسكرية كانت هذه الأوطان قد فقدت أهم قوة يمكن الاعتداد بها في بناء الدولة المدنية.
كوارث هذه الأمة آتية من الثكنات العسكرية، الثورات سرقت، الجمهوريات قتلت، الديمقراطيات وئدت، التنمية تخلفت، الدولة، السلطة، التشريعات، المواطنة، العدالة جميعها مفاهيم تم اغتصابها والعبث بها تحت وطأة القوة المسلحة، على هذا الأساس العسكري إذا ما أراد أن يكون سياسياً يتوجب عليه مغادرة دبابته وثكنته أسوة بكثير من القيادات العسكرية في العصر الحاضر.
فهناك عسكر كثر وصلوا إلى الحكم من بوابة الأحزاب والتحالفات والانتخابات، لا كما هي الحالة العربية البائسة، كارثة حقيقية، هذه التي نراها اليوم في مصر أو تونس أو سوريا أو اليمن، فهؤلاء العسكر يجب أن يدخروا مؤهلاتهم وملكاتهم للمواجهة العسكرية مع العدو لا أن يستخدموها في مواجهة الثورات الشعبية المدنية المطالبة بالتغيير وإسقاط النظام.
محمد علي محسن
الثورات والجنرالات 2359