الليل في مدينتي كئيب
كأنه مازال فيها ملكاً
كأننا عبيد
الليل موحش ونحن لا نراه
فكيف لو يجيء من هناك
وكيف للظلام أن يضيء
كيف والظلام جاثم هنا
وباقٍ هناك
أرادوه من نكد ونريده من دعاء، أطفأوا النور لنعيش الدامس، فأضأنا الشموع أملاً وحلماً في حياة نريدها خارج ظنونهم وسخف تفكيرهم.. وأرادوه رمضاناً مليئاً بالنكد ونحن أردناه مليئاً بالفرح وتقوى القلوب بيننا، وهم مسافات كبيرة، هم ينطلقون من جبروت ونحن من إنسانية، هم يستخذون لمظاهر التعذيب وإرهاق الوطن، ونحن نعيش القصيدة والزهرة وكثيراً من الفأل الحسن.
وإذاً ليس ثمة تقارب بين من يسعى لليابس ويتفنن في التدمير وبين من يريد حرية ويعشق الحياة.. ونحن هكذا من ألفة وحب واحترام للإنسان نقاوم الظلاميين ونرهقهم صعوداً، من إصرارنا على الانتصار لقيم الحق والخير والجمال، وهو إصرار نستمده من كتاب الوطن وآياته التي نتهجاها صموداً ومقاومة وانتصاراً ولنا ما لنا في هذا الأفق الكبير من سمو يقفز على الصغائر والممارسة البليدة في حصار النقاء وملاحقة البشر الطيبين لجعلهم يعانون ظلاماً دامساً وغلاء أسعار وتأزيم أوضاع وقتلاً وتشريداً هناك وضيقاً وتجويعاً هنا.
وكأن هذا النظام لا يجيد سوى النكد ولا يتقن غير المأساة وجعلها مشاعة وعلى وجه الخصوص في شهر كريم كهذا لا يقدرون على التعايش معه ولا استلهام معانيه الجليلة، لذلك نراهم يتجهون لصناعة الظلام ويستقبلونه بمزيد من معاناة يتفننون في إنتاجها، وهذا ما دأبوا عليه ولا يقدرون على سواه، وليتهم أدركوا كم هذا الشعب يزداد يقيناً أنه صاحب حق وقوة لأنه ينتصر للحياة ضد الحصار والتجويع والظلام وسوء الظن والماحق المدمر الذي يصدرونه للأبرياء لمجرد رفضهم البقاء تحت الانتداب الصالحي، ولكونهم يريدون وطناً مبرءاً من تقاسم ونهب واحتكار سلطة، ويريدون الحرية بما تعنيه من قول وعمل وليس شعارات أتقنها النظام وعبث بها لدرجة الفوضى ليبقى المسود، ونبقى نحن في هرج ومرج كما اعتقد لفرط ما أصابه من غرور وقد رأى أن كل شيء معقود بنواصيه، وهو ما اشتغل عليه قوم أصابهم العمى وباعوا الدين والدنيا ليكونوا من محضيي النظام فكانوا أعداء الوطن الخلص وأصحاب تعبد وتبتل في محراب الصالحية ولم يكن لهم من كل هذا سوى ازدراء الجماهير لهم وغضب الله عليهم بعد أن دخلوا دائرة السوء ليبقوا في مستوى من لا يستطيع أن يكون إنساناً وقد تحول إلى ما يشبه (فاوست )في إحدى المسرحيات لـ(غوته) وهو من باع نفسه للشيطان بعقد عمده بالدم مقابل الحصول على المتعة طيلة الحياة، وهم هؤلاء فعلاً الذين زين لهم الشيطان أعمالهم وأعماهم عن فعل الخير، ليلتحقوا بالظلم يدافعون عنه ويمارسون ما قد يغيب عن باله.
لذلك لا خير فيهم وتجارتهم بور وسلطانهم في غمرة الحصار لا يدرك أن أنة مظلوم في جوف الليل في هذا الشهر الكريم كفيلة أن تكون زلزالاً نفسياً ومادياً رهيباً لقوم لا يفقهون قولاً ولا يتعظون من تاريخ ولا يخافون يوماً تتقلب فيه الوجوه والأبصار.
وإنا لنندهش من هذا التمادي في الظلام والمعاناة التي يديرونها ويجيدون صياغتها، وليتهم مرة واحدة سخروا ذكاؤهم للوطن لكان أحسن حالاً وكانوا بشراً أسوياء، غير أن السياسة المخاتلة المراوغة المتذاكية تجر إلى مواطن الغبن والقهر والتعب ومن كل هذا الركام الكبير تتولد المقاومة وتصير الثورة فعلاً ضرورياً لابد من انجازه بعد أن غاب الإنساني ولم يبق غير الظلام يكتنف الوطن ويزيده معاناة، فيما هم يتسامرون على منجزات الحصار ويتنادمون على بطولات التجويع وارتفاع الأسعار، ويظنون أنهم المانحون والمعطون ليصل بهم الغرور إلى مستوى القدرة تعالى الله عما يذهبون إليه.
ولعل هؤلاء لم يقفوا أمام التاريخ الذي يؤكد أن إرادة الشعوب من إرادة الله ولم يثبت تاريخياً مرة واحدة أن ظالماً انتصر على وطن وشعب فما بال هؤلاء لا يفقهون قولا؟! مالهم كيف يحكمون؟؟وقد غالوا في القهر والمآسي وصناعة الأزمات تلو الأزمات ثم بعد ذلك يريدون البقاء حكاماً ونحن محكومين وليس من مقاربة أبداً بيننا ،فالذي يرفض الظلام يرفض بالتأكيد منتجيه وأربابه، ومن يرفض الأزمات لا يقبل بمن يفرخها، ومن يريد السلام لا يقبل بقصف الطيران على مواطنين يقولون ربي الله في هذا الشهر الكريم، ومن يرفض التدجيل لا يقبل شهود الزور من دهاقنة النظام.ونحن نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلاً، نحبها ولا نقبل بمن يريدون علواً في الأرض وفساداً، وليس بيننا وهم سوى الحرية، هذه الشمس التي يجب أن تشرق في كل وجه، فمن عاش محروماً منها عاش في ظلمة حالكة ولهم نقول : ظلامكم لا يزيدنا إلا إصراراً على النور وحصاركم لا يزيدنا إلا صموداً من أجل الحرية وأزماتكم لا تزيدنا إلا تراحماً وتعاوناً، وقصفكم يزيدنا سلاماً، ومهما عمدتم إلى اختراع المزيد من المآسي، فإن ثقتنا بالله أكبر من جبروت الطغاة وقد جعلوا الوطن برميل بارود قابل للانفجار، وجعلوه جوعاً متفشياً في الجولات والأزقة والحارات ليحدثونا بعد إذ عن نعيم مقيم وأن الوطن يرفل بالعز وهم من نكبة أرادوه.
محمد اللوزي
أرادوه رمضاناً مليئاً بالنكد وأردناه مليئاً بالفرح والتقوى! 2016