"ما أحلى بيت الإنسان"، جملة قالها الرجل في الحافلة وهو يتحدث إلى صديقه، سأله صديقه كيف؟ قال: إن الإيجار فضيحة، يأتي إليك صاحب البيت يسب ويلعن ويفضحك أمام الناس لتدفع له الإيجار، أما في حال لا يوجد معك مال وأنت في بيتك فهذا عّز لك، لا أحد يدري فقرك من غناك، جوعك من شبعك، أي أن بيت الإنسان يستره ولا يفضحه أمام الخلق.
لطالما سمعت هذه العبارة من أمي ولم أفهم معناها إلا الآن، ما أحلى بيت الإنسان، ينام ويأكل ويتكلم ويعمل ويرتاح متى شاء ذلك، بدون أن يخاف من عيون أحدهم أو مراقبة الناس له، يعدون عليه تحركاته وتصرفاته، إن وجودك في منزلك وبين أفراد أسرتك كأفراد متماسكون ويد واحدة، يعد انجازاً عظيماً ويفخر به الإنسان ويتمناه.. إن المنزل بجانب المنزل الآخر ما هو إلا امتداد لذاك التجمع الأروع الذي يسمونه "الوطن ".. عندما نقول "ما أجمل بيت الإنسان" نأتي إلى المعنى الأكبر والأوسع والأحلى والأجمل والأروع "وطن الإنسان ".. وهل من الممكن أن يعيش إنسان بلا هوية؟ بلا وطن؟، لعل أكثر من يعاني هم الإخوة المغتربون عن أرض الوطن الذين سعوا للاغتراب من أجل تحسين مستوى المعيشة.. وعندما رحلوا عرفوا معنى الحنين إلى الوطن، أو قد يفهمه أولئك المشردين بلا وطن من تتقاذفهم الظروف القاهرة والوضع المزري.
تخيلوا لو أننا لا نملك وطن؟! ونقوم باستئجاره!! يا له من ذل وعار.. الحمد لله أننا نملك وطن، وليس أي وطن !! انه اليمن!..
ما أحلى هذا الوطن لو كان جميلاً أخضراً رحباً بكل من فيه أو حلّ عليه، وكل أهله يحبون بعضهم ويخافون على بعض، ما أجمله إذا كان وطن الرخاء والأمان، وطن العزة والكرامة، وطن المحبة والأخوة، ما أجمله حين نختلف ونتفق على الحق وليس على الباطل، ما أجمله حين يتساوى مع الدول الأخرى تطوراً وتقدماً ورقياً، ما أروعه حين يعاقب المفسدون والمرتشون والقتلة المجرمين، ما أجمله حين يرحل النظام الفاسد - على مدى 33 عاماً من أعمارنا - بخيوله وجحافله، و بلا رجعة.. ما أروع هذا الوطن حين يتغذى الريال اليمني ويُشفى من حالة المجاعة التي تكتنفه منذ ظهوره لأول مرة.
ما أجمل هذا الوطن حين تعود الأسعار إلى حالتها المعقولة، وما أروعه حين تُرفع القمامة من الأحياء والأسواق والحارات، وحين يحافظ الأهالي على النظافة أولاً بأول، ويقوم الصرف الصحي بإصلاح المجاري الطافحة في الشوارع، ما أحلى هذا الوطن الغالي حين تُشفر قناة اليمن بكل ما فيها من كذب وتزييف وطلاسم تؤدي إلى الغثيان في أغلب الأحيان.
ما أحلى هذا العلم يرفرف عالياً فوق هاماتنا من صنعاء إلى عدن.
ما أحلى وطن الإنسان.. ما أحلى اليمن.