العرب في العصر الجاهلي لم يستخدموا النفاق بمفهومه الاصطلاحي "إظهار المرء خلاف ما يبطن من معتقدٍ كما أن المسلمين لم يعرفوا النفاق في العهد المكي لأنه لم يكن هناك داعية تدعو إليه.. فالمسلمون الذين أسلموا في بداية الدعوة أسلموا طواعية، ليس لهم مطمع دنيوي ولم يكن هناك ظروف تجبرهم على إظهار لإسلام وتستر بالكفر. إنما بدأ النفاق في الظهور بالمدينة المنورة، لذلك ليست هناك آية واحدة مكيه فيها كلمة النفاق وكل الآيات التي تتحدث عن النفاق آيات مدنية.
والنفاق معناه "أن يظهر المرء الإسلام وهو يبطن غيره" وقد فصلت الآيات والأحاديث النبوية مفهوم النفاق وملامح المنافقين.. من أشهر الأحاديث النبوية قوله صلى عليه وسلم "أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، إن كانت خصلة واحدة فيه كان فيه خصلة من خصل النفاق حتى يدعها من إذا حدث كذب، إذا وعد أخلف، إذا خاصم فجر، إذا عاهد غدر".
ولخطورة النفاق حكم الله على المنافقين بالكفر وإن مصيرهم والكفار سواء, إن كان المنافق أشد خطورة من الكفار لأن المنافق أمتاز بالخدع والتظليل لأن مواجهة الكافر حق لا غبار فيه أما المنافق يحميه إسلامه إن كان إدعاء وتظاهراً والإحكام في الإسلام تدور على الظاهر وعلى الله السرائر.
المنافقون في كل عصر يحرصون على تحقيق أقصى ما يستطيعون من مصالح ذاتية وغنى ورفاهية ولو كان على حساب المصلحة العامة والقيم الإنسانية والكرامة الشخصية وأشهر الوسائل التي يستخدمونها هي مجاملة الحكام وتملق لهم والتهوين من شأنهم وهو ما يعرف بالنفاق السياسي الذي صار سمة في سيمات العصر وموضة من موضات الواقع، هذا النفاق السياسي أحد الأسباب التي جعلت أوضاعنا تسير من سيء إلى أسوأ لأن المنافقين يعملون على تغيير وجه الحقيقة وينقلون الأمور إلى الحاكم بصورة مغلوطة ويوهمونهم أن الأمور تسير على مايرام.
النفاق السياسي قرين ورفيق درب دائم للاستبداد السياسي فأين وجد استبداد سياسي وجد وكثر النفاق السياسي، لأن المستبد عادة ما يستخدم سياسة العصا والجزرة فيضطر ضعاف النفوس إلى التقرب لهم إما خوفاً من بطشهم أو طمعاً في نعيمهم .
للنفاق السياسي مظاهر عديدة لعل أبرزها أن يتحول المثقفون والمبدعون إلى حملة مباخر، هدفهم تلميع صورة النظام وقلب الحقائق كالذي يريد أن يغطى عين الشمس بغربال، فلا يهمهم مايحدث في الوطن إلى أين سوف يسير إنما يهمهم مصالحهم الشخصية .
الأحداث الأخيرة التي شهدتها المنطقة العربية والتي أسقطت أسطورة الغول وأنهت الوهم الذي كان يعيش في قلوب ملايين من البشر منذ عقود من الزمن، كشفت عن منظومة النفاق وظهر للعيان أن أولئك الذين كانوا يهتفون بحياة الزعماء لم يكون إلا مجموعة من الانتهازيين وعبدة الدينار والدرهم , تتغير ولاءاتهم بمجرد ذهاب ذلك الرغيم، فتجدهم يبحثون عن صنم آخر يستطيعون من خلاله تحقيق مصالحهم الشخصية ,فأين ذهب الشعراء الذين كانوا يكتبون المعلقات في مدح بن علي وأين الكتاب الذين كانوا يكتبون المقالات الطويلة في حكمة مبارك, وأين الذين كان يهمون في حب القدافى. لقد ذهبوا بذهابهم انتهت اسطوانة النفاق. أما في اليمن فقد سقط منظومة النفاق من أول جولة أيقن حملة المباخر أن تلميع صورة الزعيم لم تعد تجدي فما كان أمامهم من حل سوى أن يتحولوا إلى بلاطجة من أجل الحفاظ على مصالحهم التي سوف تذهب بذهاب النظام
تيسير السامعى
النفاق السياسي 3317