مسلسل (همي همك) وبطله "طفاح" الذي تقدمه "قناة السعيدة" بعد الفطور مباشرة يقدم الشخصية الاستبدادية في قالب كوميدي أكثر من رائع، ويكشف عن الخبايا النفسية وما يعتمل لدى هذا الشخص المرموز له بالشيخ (طفاح) بما يمثل من نظام يسوم الناس خسفاً وقهراً ويعمد إلى الظلم ومصادرة حقوق وحريات الآخرين وملكياتهم عنوة ويضع نفسه في مستوى من يقدم ويؤخر ويعطي ويمنع.
وهذه الشخصية (طفاح)لا تعيش ولا تمارس جبروتها إلا من خلال محاربة كل مظاهر الحياة المدنية وعلى وجه الخصوص التعليم، شعوراً منه أن أي تغيير نحو الأفضل إنما هو تمرد على نظام ألف أن يمتص دماء الناس ويعيش من خيراتهم ونهب ثرواتهم.. وشخصية (طفاح) التي نجدها عملياً في حياتنا تكشف لنا عن مدى الأذى الذي لحق بنا حين لا نجد ذواتنا كبشر إلا من خلال النظام الذي يمارس الصلف والقهر على المواطنين ويغدو بفعل تسلطه أشبه بالإقطاعي (طفاح ) إن لم يكن قد فاقه نظراً لقدرته في ابتكار أساليب الفوضى والأزمات بهدف إعاقة الحياة المدنية ونشر التخلف وقيمه وجعله السائد والمعاش على ما سواه.
وليت أن الأمور تقف عند (طفاح) هذا الذي صار غماً ونكداً لايطاقان، بل إنه يتواصل ليغدو ابنه الفاشل ـ كما رسمه المسلسل ـ الوجه الآخر لأبيه، فهو شخص إلى جانب (با خوسيته) غير مبال بالآخرين ومستبد وحاقد هو أيضاً، فاشل في تحصيله الدراسي معتمد على أبيه وجاهه وإقطاعيته بما يعني أن لا أمل يرتجى من (طفاح) في التغيير إلى الأفضل مادام الاستبداد يتوارث من الآباء إلى الأبناء.
والواقع أن هذه الدراما بقدر ما تضحكنا تبكينا على ما فينا من إرهاق وظلم في حياتنا العملية بفعل (طفاحين) كثر هم منتوج هذا النظام وصناعته، يمارسون ذات الأساليب في الاستبداد وفي متوالية لم يعد أحد يحتملها كونها بلغت القلوب الحناجر، لذلك نرى البعض من شرذمة (طفاح)هذا يعتمد على الإشاعة المغرضة وبث الرعب واستعراض العضلات لتخويف البشر من أن يطالبوا بحقوقهم ويدحروا ظلماً استمر طويلا، وهو ما يزيد القوى الحية والفاعلة والمتطلعة والشبابية حيوية وإصراراً على التغيير، فإذا كان شيخ القرية (طفاح) قد وصل به الحال إلى مستوى تشريد من يخالف رأيه ويريد حريته ويضرب بقوة من يرفع رأسه،، فإننا نجد بالمقابل ثمة جديداً قوياً يتمثل في شخصية (نوري) المتعلم والطبيب الإنسان والذي يدفع بالاتجاه نحو التغيير والوقوف أمام صلف (طفاح) الغشوم، ولديه الإستعداد للمواجهة مهما كان الثمن، ولكن عبر الوعي الذي يفتقده طفاح، يعاني منه ابنه..
وهنا يدور الصراع القوي بين الجهل والعلم، بين الفضيلة والرذيلة، بين قوى الجديد المتطلع وقوى الاستلاب والقهر، ويغدو المسلسل (همي همك)هو همّ خمسة وعشرين مليون مواطن يحلم بحقوقه وحرياته، وصورة من اليومي المعاش بكل ما فيه من تخلف وتسلط واحتكار سلطة وادعاء أجوف بالديمقراطية التي تصب في صالحه ولا يعترف بها إلا كديكوريزيد من هذا الوباء التسلط.
وبلا شك فإن اشتغال قناة السعيدة على الواقع وعكسه إبداعاً، قد كشف فعلاً مدى الجهل الذي تعيشه القنوات الإعلامية الرسمية المكرسة جميعها لخلق قيم اللاتعايش وتمجيد الفرد،كما أنها ـ في تنافس بسيط ـ أكدت أن الإعلام الرسمي أعجز من أن يدخل البيوت بصناعة الحقد والمغالطات وتزييف الواقع وممارسة لغة إقصاء وإلغاء وتهميش وإدانة وقمع لم تعد تنطلي على أحد، بما يعني أن أروقة "طفاح" هي التي تسهم في تنفير المجتمع من أن يستمتع بملكيته لهذه القنوات، وإلا ماذا يعني عزوف المشاهد من متابعة هذا الزيف والظلال إلى متابعة قناتي السعيدة وسهيل وفق أبحاث ميدانية جرت داخلياً وخارجياً!؟ أليس هذا دليل فشل سياسة العشوائية والارتجالية والتخبط وإقصاء الكوادر الفاعلة وجلب الهزيلة الضعيفة ليسهل توجيهها ونهرها إن لزم لأمر كدلالة على حالة مرضية؟!.
ولأن السعيدة وسهيل اتخذتا منهجا لنقد الواقع بمسؤولية وما يعانيه الوطن من "طفاحين" كثريعبثون بالأموال الطائلة على إعلام رديء وفاشل أسهم في تثوير المجتمع بخيباته وسوء تعامله مع المتلقي وعدم احترامه للحقيقة..
ويبدو أن "طفاحين" من كل في موضعه لا يفقهون أن ثمة جديداً قوياً من رحم المعاناة والظلم خرج،وأن جيلاً من الشباب الواعي المثقف يرفض استلاب البشر أحلامهم وخداعهم ويرفض البقاء في الآسن الراكد ويذهب إلى أحقية تقرير المصير، وإزاحة احتلال دام "33" عاماً حكومته الكثير منها له عقود وكأنهم وحدهم بغبائهم ورعونة كراهيتهم للخير وجزيل حقدهم وهزؤهم بالنظام والقانون،هم الأكثر صلاحية وليس الكفاءات والقدرات التي يتم دحرها وجلب الغشماء،ليسهل السيطرة والتوجيهات الغبية..
هذا هو (طفاح) النظام الذي جعل كل شيء حكراً بيده وزبانية أمراض يستوطنهم الكره للجمال وحجب أجيالاً من أن يكون لها حق الوجود والتواجد والتعبير عن نفسها والإسهام في بناء الوطن..
ومن يلقي نظرة على مفردات النظام في دوائره اللامؤسسية يجد حتى من وكيل إلى مدير عام مؤسسة ومدراء عموم هم ذاتهم من عقود لتتجمد الحياة ويتعطل الإبداع من أجل أن يظل طفاح (طفاحاً)..وليت أن هذا النظام يفقه لماذا ترفضه الملايين؟ ولماذا أوصل الحالة اليمنية إلى مرحلة الإنسداد؟ ليته يرى إلى من يتعامل بعد أن تخلى ببلادة عن رجال دولة حقيقيين لصالح قوى مأزومة، منافقة، مخاتلة ؟مارست تعبده لمصلحتها الذاتية وتريد أن تورث ثورة يمنية بصناعة دعائية إعلامية غبية ممجوجة، مستفزة، قاهرة أقرب إلى أساليب البلطجة بدلاً من أن تكون إعلاماً يخاطب العقول والقلوب ويقنع المتلقي ليس من كذب وإنما من احترام للحقيقة، لاكما يهيئ لمنتج الفشل أنه قادر على التلاعب بالعقول واستخدام الشعر والنثر في غير جمالياته لإنتاج أزمات، هو منهل ومورد القائمين عليه في سلوكياتهم اللابشرية كما نعرفها جيداً مهما صعد إلى مدارج الإلتقاء خداعاً وادعاءاً واستغلالاً للشهر الفضيل، وهو لايفقه غير الحقد حتى على نفسه ولا يعرف مرة الإحسان وفعل الخير ليحدثك بعد إذ عن حب وألفة وما أدراك، وعن وطن وضمير ليس له علاقة به ومن لا يكون لخلاّنه محباً كيف يدعي حب الوطن؟! ومن لا يكون لرعيته مخلصاً كيف يكون مخلصاً للوطن؟! غير أن جهنم للطاغين مآباً ولن يغفر الشعب لطفاحين كثر ولن يسامح أحد أحداً..
محمد اللوزي
ليت حدود الاستبداد تقف عند (طفاح) السعيدة 2818