ثورة أم انتفاضة أم أزمة؟!، فهي ثورة بمقياس الجماهير الشعبية وتضحياتها وأهدافها الثورية التغييرية لمجمل الأوضاع السائدة، وهي انتفاضة بترمومتر الغضب الشعبي العفوي وبمقدار الوقت والغاية المتمثلة بسقوط رأس النظام، وهي أزمة سياسية من ناحية المسعى والجهد الخليجي والدولي ومن جهة كونها أزمة ما بين الحكم والمعارضة.
ما يجري في اليمن يعد ثورة بكل المقاييس والمفاهيم الشبابية والمجتمعية المنافحة من أجل يمن آخر، مختلف سياسياً واقتصادياً وثقافياً ووطنياً ووحدوياً ومعيشياً وديمقراطياً، لكننا وإذا ما نظرنا إلى ماهية النتيجة المحققة؟ سنجد هذه الثورة أقرب للانتفاضة والأزمة، فمازالت الاحتجاجات قائمة في أكثر من ساحة ومكان ومازال هناك كثير من اللغط والحيرة والارتباك الناتج عن شريحة واسعة، تتموضع ما بين كونها ثورة للتغيير وبين اعتبارها أزمة سياسية يستلزمها الإصلاح.
الحقيقة أن المشكلة تكمن باستئثار الحرس القديم على هذه الثورة، هذا الاستئثار كان من تجلياته تأخير لحظة الحسم، بل ويحسب له خطف الثورة من الساحات والميادين إلى الغرف المغلقة، النتيجة بالطبع ثورة شعبية بلا مسار أو وجهة واضحة ومحددة.
بمعنى آخر هذه الثورة يستوجبها الاتفاق والوفاق بين الحكم والمعارضة وهو ما يعني رهن مصير هذا الجيل الثائر وثورته بأحزاب سياسية مجتمعة وبحرسها القديم المتمترس بكم هائل من المشكلات والشعارات والأفكار الماضوية المستبدة غير صالحة أو حتى متسقة مع مشكلات وأفكار وطموحات وأحلام الجيل الجديد.
وزير الدفاع الجزائري الأسبق/ خالد نزار حين سئُل حول طبيعة المواجهة الدامية بين الجماعات الإسلامية ونظام الحكم كانت إجابته هي مأساة هذه الأجيال الثائرة اليوم في أكثر من بلد عربي، فالصراع الدموي الذي عاشته الجزائر ردحاً من الزمن لم يكن بسبب رفض الانتخابات النيابية مطلع التسعينات التي فاز بها حزب عباس مدني وبلحاج بقدر ما هي نتاج صراع بين جيل النار وجيل الرماد.
فجيل النار الذي ينتمي له الوزير المؤبد في منصبه كان له شرف محاربة المحتل الفرنسي فيما جيل الرماد -ويقصد بالطبع جيل الشباب- فولد في عهد جبهة التحرير الحاكمة للجزائر منذ الاستقلال، وعلى هذا الأساس التاريخي الكفاحي حكم الوزير نزار ورفاقه الثوار المقارعين للاستعمار الفرنسي، ففي كل الأحوال لا يوجد في بلد مليون شهيد من هو أفضل من ثوارها القدماء المؤتمنين على بلادهم وثورتهم وشعبهم، فكيف لديمقراطية تافهة الانقلاب على ثورة صاغها جيل النار بدمه وروحه وكفاحه؟.
الواقع أننا إزاء صراع بين القديم والجديد، فقدر ثورة اليمن أنها مازالت أسيرة هذه الثنائية العجيبة، مشكلة تكاد سبباً في تأخر مسألة الحسم، المتأمل في جوهر المشكلة سيجدها نتاج حالة من التضاد ما بين كون ما يحدث ثورة شباب تنتمي لروح العصر الراهن وبين كونها أزمة بين المعارضة والحكم، بين كونها ثورة لتغيير كلي وجذري لمنظومة كاملة من القيم والمفاهيم والسلوك وبين كونها أزمة أو انتفاضة لإصلاح وترميم ما أفسدته الانتخابات أو السلطة.
محمد علي محسن
ثورة أم انتفاضة أم أزمة؟! 2310