واهم هذا النظام الذي دام أكثر من (33) عاماً إن فكر وقدر، أنه سيظل يستوطن فينا، وأن يبقى ذلك المستبد المتسيد على مقدرات وطن واستغلال إمكانياته بما يخدم مصلحته العائلية، وواهم هذا النظام المزري لشعب نفد صبره وأطلق صرخته المدوية (ارحل)، إن ظن أن حيله وكثيراً من شيطنته تنطلي على الجماهير وقد خبرته وعرفته جيداً ورأت فيه مجرد نهم للسلطة والثروة، ومستريب لا يعير الوطن انتماء، ولا الحياة معنى، ولا الشعب وفاء...
لذلك تغدو الجماهير الهادرة التي تعلو حنجرتها حرية، حرية هي صاحبة القول الفصل، هي من يمتلك زمام أمور الوطن، هي من يعلو على كل متغطرس متكبر دعي، هي وحدها صاحبة المصلحة الحقيقية وليس أصحاب الشعارات البليدة، من يستغلون الدين لحماية مصالحهم بحجة طاعة ولي الأمر وإن كان فاسداً ظالما، وهي فتاوى احتلال سلطة بلا شك تفرق تماما عن الدين القويم الذي دفع الخليفة أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - إلى القول: (لقد وليت عليكم ولست بأخيركم فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني) كما دفع أحد الصحابة للقول للخليفة الثاني عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: (والله يا عمر لو رأينا فيك اعوجاجاً لقومناك بحد السيف) ويرد عمر عليه:(الحمد لله أن وجدت في أمة محمد صلى الله عليه وسلم من يقوم عمر بحد السيف)، فهو دين عزة وكرامة وإباء وليس دين خنوع للجاه والسلطان وتذلل وتعبد لمن لا ينفع أو يضر، ومن أجل حطام دنيوي يبرر للمحتل البقاء في كرسي السلطة يسوم الناس سوء العذاب ويحدد أهله خيارات وطن كما يحلولهم ويمارسون هواية إذلال شعب،، وفتاوى المائدة تجيز لهم ذلك، وتمنع الخروج على الطاغية، ويزيدون يحوقلون بأسمائهم، ويضعون هذا النظام في مصاف الرسل والأنبياء بمزاعم وخرافات تعيسة كماهم، ونراها رأي العين وهي تؤكد: أن هذا النظام الغاشم والمغتصب للسلطة اليوم قد فشل جملة وتفصيلاً في أن يكون نظاماً ديمقراطياً يقيم موازين العدل ويرسي دولة نظام وقانون واحترام حقوق وحريات، وإن هذا المغتصب لكرسي السلطة لا يعرف سوى نفسه ووساوسها في النهب للثروة والاستعلاء ...وهنا فقط تغدو الثورة من أجل استرداد كرامة وحرية وسيادة واستقلال الوطن واجباً مقدساً عالقاً في كل ذمة، وبراءة شعب من سلطة عاثت في الأرض فساداً، ولم تدرك معنى الثوابت الوطنية إلا حين تريدها مشروعاً لتمرير خديعة إضافية، وتكريس مزيد من الظلم.
لذلك الثورة هنا رفض لكل مفردات التسلط المتبقية، ونداء ضمير ديني ووطني وإنساني من أجل واجب التغيير وفعل الإرادة الشبابية باتجاه يعزز الطموح إلى المستقبل وينتصر لإرادة وطن ...الثورة معنى خلاق فيها تضيء معالم الطريق لأجيال الحاضر والمستقبل، ويصير الوطن عنوانه العزة الكرامة، السيادة والاستقلال.. والثورة فعل شعبوي قرر بإرادة وطنية أن ينتزع من براثن الغاصبين السلطة لصالحه، باعتبار الشعب مصدر السلطات، وليس من يمارسون الخديعة والزيف باسم الجماهير ...والثورة بمعناها الكبير فعل تغييري شامل منهجي ومقصود، يهدف الانتقال الفذ من حكم الفرد المستبد إلى موازين العدالة والحرية وامتلاك زمام الأمور بدلاً من أن كانت مستولى عليها من قبل ثلة منتفعين يديرون مقاصد بلاد عبر أفراد وتلفونات هي من يحدد مستقبل (س) أو (ص) بحكم القرابة والوساطة والارتباط، وليس الكفاءة والقدرة والتميز، لأنهم في الأساس لا يمتلكون هذه المؤهلات.
لذلك تبقى الفوضى مخرجاتهم لإدارة وطن هو اليوم ينتفض ليقدم اصدق صورة لمعنى الحرية انتماء ...والثورة أيضاً هي انطلاقة إيمانية تحررية باتجاه تعزيز اللحمة الوطنية بعد أن أوشكت أن تنفصم وتقطع أوصالها بفعل ممارسات سلطة اختلقت أزمات وتداعيات أوشكت أن تعبر بالوطن إلى حافة الموت والضياع لولا الثورة فخر الوطن وتاج مناضليه ..من أجل ذلك الثورة هي اللحمة الوطنية والوثيقة الصلة بمتطلبات العصر والدخول فيه برؤية علمية منهجية تخالف ما هو سائد لدى هذه السلطة الغاصبة، وقد اتخذت العشوائية والارتجال مسلكاً لها من خلالها ترتع وتلعب كما يحلو لها، ومارست الترغيب والترهيب لتظل اللاعب الأمهر وفق مصالحها الذاتية فقط، وهنا تجليات المشهد الوطني في الثورة أنها صناعة تاريخ حقيقي ينتصر لطموحات 25مليون مواطن في أن يكون لهم حق الشراكة الوطنية واعتلاء عرش المجد بعد إزاحة غاصب لا يريد أن يصغي لهتافات الملايين في الساحات وهي ترعد: (الشعب يريد إسقاط النظام)...
والثورة ببعدها الإنساني التزام مبدأي بحقوق وحريات الإنسان وبشراكة شعب مع غيره من شعوب العالم، من أجل أن يسود الوئام والحب والسلام والأمن والاستقرار في العالم، من أجل خير ورفاهية البشرية ..والثورة بمعناها الوجودي فعل تغيير وإثبات تواجد إبداعي في ذات العصر ببعد حضاري ينتمي أخلاقياً إلى المبادئ والمثل والقيم السامية والعليا والتحررية من الطغيان واستلاب الإنسان كرامته، لذلك ليست عبادة فرد وتمجيده ووضع صوره في الساحات والميادين والحارات ومكاتب الدولة كما أنها ليست احتفاء بأعياد ميلاد القائد الفذ، الملهم، العبقري، المصقعا، الضرورة، المحنك، المكرمة، وما شئت من الألقاب والأوصاف وليست احتفاءً بتتويجه على الكرسي باسم الديمقراطية التي اخترعها له خصيصاً دون الشعب ..ولكنها ثورة فذة وصعود شعب إلى الذرى وهو سيد نفسه وقائد مستقبله.. ثورة نقول فيها جميعاً تحيا الحياة.. تحيا الحياة.
محمد اللوزي
واهم المستبد أن يستوطن فينا 2187