الرئيس صالح بمقياس ما حدث وسيحدث للحكام العرب في قابل الثورات أعتبره محظوظاً، فهو على الأقل مازال يملك فرصة النجاة والسلامة ببدنه وسدنته وحاشيته المقربة منه، ولكن الحُكم المديد - لعنه الله - أعمى بصيرته ولحد جعله لا يتقبل أبداً فكرة انتقال السلطة إلى شخص آخر ولو كان نجله أحمد، فكيف إذا ما قلنا إن هذه السلطة ستؤول إلى نائبة عبد ربه؟.
سبعة أشهر انقضت والثورة مرابطة في الساحات ومع هذه التبعات الكارثية المكلفة جداً للإقتصاد والإنسان والتنمية والحياة عامة لا يبدو أن الرئيس صالح قد عزم وقرر ولو ضمنياً بمغادرة الرئاسة وفقاً وبمبادرة الخليج العالقة ما بين موافقته ورفضه أو بناءً ومقتضيات الرغبة الشعبية المطالبة برحيله.
ففي الحالتين الرئيس مازال مخيراً وبيده زمام المبادرة لنهاية مختلفة عن الحالات المصرية والتونسية والليبية وربما حتى الحالة السورية، وبرغم هذه المزية التي تفردت بها ثورة اليمنيين عن سائر الثورات العربية إلا أن الرئيس للأسف لم يستغلها بطريقة تضمن له الرحيل غير المهين والمذل.
الواقع المشاهد ليس فيه ما يدل ويؤكد بأن الرئيس صالح قد أخذ العبرة والدرس من أسلافه الرؤساء مبارك وبن علي ومعمر! فلو أن هناك ثمة استفادة من هؤلاء الحكام المطاردين اليوم قضائياً ووطنياً ودولياً بتهم وجرائم شتى؛ لكان الأولى به مغادرة السلطة دونما مواربة أو تأخير،فما هو حاصل الآن لا يشيء بعظة وحكمة من أي نوع.
أنه ذات الكذب الفاضح والمخجل الذي أودى بمبارك إلى قفص الإتهام، هو نفس المنطق الفج القاتل والمدمر المستخدم من القذافي ونظامه العائلي، هو الخطاب الغبي والوقح ذاته الذي ردده بن علي ونظامه، هي المفردات المزيفة للحقائق والواقع، نفسها التي مازال إعلام نظام الرئيس بشار الطائفي والبوليسي يطلقها على ثورة الشعب السوري.
وإذا كانت الظروف المجتمعية والوطنية والإقليمية والدولية قد أعطت الرئيس صالح فرصة الخروج بسلام وبأقل خسارة ؛ فإن الأخير للأسف استنفد هذه الفرصة وبددها في محاولاته البائسة لاحتواء هذه الثورة وتمزيق أوصالها بساطور الوقت والقوة والمال والإرهاب والانفصال وغيرها.
فمثل هذه الأشياء لطالما لجأ لها الرئيس صالح وكانت مجدية في مواجهة خصومه، لكنها وفي هذه المرة بالذات لا يمكن أن تحفظ له كرسيه كسائر المرات، إننا هنا نتحدث عن ثورة شعبية لا جماعة انقلابية أو انفصالية أو كهنوتية أو حوثية أو إرهابية.
هذه الفرصة المبددة تم إهدارها في محاولات يائسة لوئد الثورة، ربما غفل الرئيس صالح حقيقة أنه الخاسر الأكبر، فالثورة في نهاية المطاف حتماً ستنتصر،إنها مسألة بديهية لا يختلف عليها أثنان، إصرار الرجل على اللعب بأوراقه القديمة تلك لن يعيده إلى دار الرئاسة بل ستؤدي به إلى نهاية مهينة مماثلة لتلك النهايات المأساوية التي سيذكرها الناس والتاريخ للرؤساء مبارك وزين العابدين والقذافي.
حادثة جامع النهدين أو حرب القاعدة أو قضية الجنوب أو الحوثية أو افتعال أزمات الكهرباء والبنزين والغاز وإشاعة الخوف والفوضى وووالخ من القضايا الحياتية، فهذه جميعها قد تمنحه وقتاً للعب، لكنها ستؤدي به إلى خسران كل شيء الحكم والمبادرة والفرصة والسلامة.
محمد علي محسن
صالح والفرصة المهدرة عبثاً 2395