من أين جاء هؤلاء الحكام الطغاة؟أمن استبداد الجهل أم من طغيان الخوف أم من الاثنين معاً؟.. رحم الله عبد الرحمن الكواكبي صاحب المؤلف الشهير (طبائع الاستبداد)، فالاستبداد في رأي الكواكبي يأتي من الجهل باعتباره أصل البلاء، فحين ساد الجهل في هذه الأمة استبد الطغاة شعوبهم، طوبى لشاعر الهند طاغور القائل: لا يأتي الاستبداد من الفقر والجهل والمال وإنما من الخوف المذل المهين المستبد بالمجتمعات.
لا أدري..لا أعلم من أية ناحية يأتي الاستبداد؟ فكل ما أعلمه الآن هو أنه والخوف والجهل صنوان لا يفترقان! فالجهل موت الأحياء، والخوف يقود صاحبه إلى الموت لا إلى النجوم، الإمام علي كرم الله وجهه له قول أثير: (الناس أعداء ما جهلوا). كذلك هو حال الخائف الخنوع الذي يواجه الخطب بإطلاق نعليه للهرب.
الطغاة أياً كان جنسهم ولونهم ولغتهم ودينهم ومعتقدهم ؛ هم الطغاة أنفسهم المتحدرون من جهل الشعوب وخوفها، ربما اختلفت مذاهبهم وطرقهم في استبداد المجتمعات لكنهم من طينة واحدة، لا فرق بين القتل بالرصاص أو السيف أو الجهل أو الخوف.
بين نيرون العهد القديم القاتل لأُمه وزوجه وصديقه وشعبه وحتى مدينته روما التي أحرقها ودمرها وبين معمر العصر الحديث القاتل لأهله وشعبه ووطنه، لا فرق بين سيف الحجّاج الذي سلط على رقاب المؤمنين الرافضين لظلمه وبطشه وبين رصاصة بشار أو صالح أو زين العابدين أو مبارك المزهقة لأرواح الثائرين على جبروتهم وظلمهم.
أسأل من أين أتى زين العابدين ومبارك وبشار وصالح والقذافي والقائمة طويلة من الحكام العرب المستبدين؟ فجميع هؤلاء الحكام الجهلة الخانعين للخارج جاء بهم خوفنا أو جهلنا، فلولا خوفنا المخجل والمهين للفطرة الإنسانية الحرة لما بقينا عقوداً تحت طائلة الجهل والفقر والكذب والنفاق والزيف، ولولا هذا الجهل المخيف لما عشنا سنوناً نبني للجلادين سجوناً وحصوناً وجيوشاً وشرفاً وتاريخاً لا يستحقونه أبداً.
كل ما بناه الجهل والخوف سيمحوه العلم والأمان، فكما قال الشاعر:العلم يبني بيوتاً لا أساس لها..والجهل يهدم بيوت العز والشرف، الخوف ذاته لا يصنع كرامة وشرفاً وإنما يفتح صفحات من الظلم والذل والمهانة.
محمد علي محسن
الجهل والخوف والاستبداد 3036