تمّرد اليمنيون، من " طابور الصباح "، طيلة العقود المنصرمة، وشاهدنا، أجيالاً وراء أجيال، يدرسون بلا طوابير، حتى جاء هذا النظام، ليربيّنا، في نهاية أعمارنا، وعمره.
بعد انتهاء الثورة، سيقول الشعب :" أسقطناه "، وسيرد النظام بلهجة منتصر " طّوبّرناه "، وربما يخرجون لنا بأوبريت جديد " طوبرناه، طوبرناه. الويدان، الويدان ".
بالفعل، " طوبّرنا هذا النظام كما لم يطوّبرنا أحد من قبل ".طُوبّرنا فأحسن الُطوّبره "..
علمنا النظام، عبر طوابير الغاز، لكنه وجدنا لم نفهم بعد ثقافة الانتظار، فأتبعها بـ" طوابير الماء " أمام حنفيات المساجد، وطوابير القمح، والرغيف، وطوابير السيارات في شوارع ضيقة كصدر مصاب بالسل..
لم نترب أيضا ً، وأصر على تدريسنا بـ" طوابير البترول "، التي شاهدناها الشهور الفائتة، أطول من طابور الصين العظيم.
"الطوبّره فن وذوق وأخلاق "، وكنت أظن ان " الطابور الأخير " والخاص بالمشتقات النفطية، هو أقصى العقوبات التي سينزلها النظام على " تلاميذه العوج "،لكن ظني خاب، واكتشفت أن " الطوبّرة فنون ".
في الدائرة 37، بشرعب، يتم تربية أبناء دائرة انتخابية متكاملة، بطريقة مختلفة، وطابور فريد من نوعه.
هناك، حيث مسقط رأس محافظ المحافظة، " عرف الناس الطوبّره على أصولها ".
انتهاء بطارية هاتفك المحمول، لا يعني أن ستذهب به إلى أقرب مفتاح كهربائي بجدارك لإعادة شحن بطاريته، بل إلى " دكان "، وحيد يمتلك " مولد كهربائي "، وهناك سيطوبر تلفونك مع المطوبرين، لمدة لا تزيد عن الأسبوع، ولا تقل عن الثلاثة أيام.
منذ شهر رمضان، أصيب التيار الكهربائي، بصعقة كهربائية ربما. انطفأ ولم يعد حتى اليوم، لكن المسئولين هناك، يطالبون بفواتير تصل الى 1700 ريال، مقابل لا شيء. لم يشاهد الناس مسلسلات. بل شاهدوا " طوابير رمضان ".
شهر متكامل، وتلفوناتهم، في طوابير لا أخر لها، لكنها نظامية، لا وجود لإطلاق الرصاص فيها، ولا يسمح لأي مطوبر أن يخرج " بطارية " من جيبه ليشحنها بعد شحن تلفونه، كما كان يحصل في طوابير البترول، حين ينتهى السائقون من تعبئة خزانات سياراتهم، ويبدأون بتمرير " الدبب "!!
مر شهر، ولم يخرج أحد من أبناء الدائرة في شرعب السلام، ليصرخ من العقاب الذي يلاقونه، ربما لخوفهم أن تلفوناتهم ستخرج من الطابور، و يجدون أنفسهم ساعتها، لا كهرباء في منازلهم ولا تلفوناتهم.
مرتاحون هم، من سماع أخبار الاعتداءات الوهمية على أبراج مأرب الغازية في " الجدعان "، ومن مؤتمرات التهريج للنجم الجندي، ومن رؤية قوافل العار التي راحت تقدم الولاء لقائد لواء عسكري، تصفق له بعد كل حرف يتأتأ به أمامهم.
ينتظر أبناء الدائرة 37، نهاية للاستخفاف التي تطالهم منذ شهر، عبر عقوبة غير مسبوقة أدخلت هواتفهم، وجعلتهم مدعاة للتندر أمام الناس في كل المدينة، لكن الاستخفاف يتمدد عند الجهات المسئولة التي لا تهتم بالدائرة الا عندما يتعلق الأمر بجلب طوابير مشائخ،لرصهم أمام قائد لواء عسكري مهمته عزل قراهم عن المدينة أكثر مما هي معزولة.
ينتظرون حلاً للمهزلة التي تحصل، لكن الجهات المختصة في المحافظة، مشغولة " إلى الإذن "، بأمر هام وخطير : تسيير طوابير ولاء وطاعة إلى "ضبعان"، والإعداد لـ" جمعة الوفاء لقائد اللواء 33 "..
لا للطوابير القمعية، وطوابير الخوف.
اليمنيون لا يريدون طوابير من هذه الشاكلة. الطوابير التي تدل على تطورنا فكريا لا علاقة لها بطوابير المهانة. يبحثون عن طوابير الديمقراطية التي نسوها منذ سنوات، وفقدوا حلاوتها منذ العام 93 م.
alkamaliz@hotmail.com
زكريا الكمالي
طوبّرناه !! ........ 2416