قبل إقدام قوات الأمن والحرس العائلي على اقتحام وإحراق ساحة الحرية بتعز في التاسع العشرين من مايو الماضي، كنت أمر في الساحة وأتجول بين خيامها، أشعر بالفخر و الاعتزاز و الدهشة لما أرى وأشاهد، فالساحة تحولت إلى مجتمع مصغر، تجمع فيها كل فئات الشعب وشرائحه، الأكاديميون وأساتذة الجامعات، الأطباء، المهندسون المعلمون، المشايخ، والعلماء والطلاب والعمال، العاطلون عن العمل، حتى الناس البسطاء، الذين يطلق عليهم المهشمون، لقد انتهت الفوارق الاجتماعية، صاروا جميعاً أسرة واحدة، لهم هدف واحد وقضية واحدة،
لقد مثلت الساحة وجه تعز الحقيقي، الذي كان منذ القدم مركز الإشعاع الحضاري و التنويري على مستوى اليمن، فقد وجد الشباب فيها مكاناً خصباً لاكتشاف طاقاتهم ومواهبهم الإبداعية، بل إنها غدت مدرسة إنسانية متكاملة ومنبعاً للوهج الثوري ومصدراً للكرامة ومصنعاً لأدوات المستقبل، وقلباً نابضاً للثورة، تتحكم بوهجه وتوزعه إلى القرى و الأرياف فيأتي إليها الثوار من كل حي وقرية، تحتضنهم ليجدون فيها كرامتهم، يشعرون بمدى أهميتهم كأفراد وجماعات.. تنازلوا كثيراً عن حقهم وأستضعفوا طويلاً من قبل عصابة بسبب غياب الروح الجماعية والتضامن المجتمعي والكرامة الثورية.
لقد فتحت الساحة تاريخاً جديداً و أعادت للمواطن اليمنى قيمته وهيبته وسيادته، وأحيت في قلبه قيم العزة والشموخ و كسرت وهم الخوف والخنوع للاستبداد التي لم تنطفئ وسيتوارثها الأجيال.
لقد أحرق بلاطجة النظام ساحة الحرية بطريقة وحشية وأرادوا من وراء ذلك ليس القضاء على الثورة فقط بل استئصال الوهج الثوري والإشعاع الحضاري والألق الثقافي والإبداع المتميز الذي ظهر به شباب تعز و فتياتها وأتثبوا أنهم رواد الثقافة ومنبع الحضارة، مكان التمدن الذي ينطلق إلى كل حي وقرية وبيت في ربوع اليمن كلها، لكن هيهات أن يحدث ذلك، فالساحة وإن لم تعد كما كانت قبل الإحراق إلا أنها سوف تظل زمراً يستمد منه الشباب أسس و مداميك الثورة التي انطلق شعاعها إلى كل بيت و قرية وحي وصارت تعز بحبالها وسهولها هضابها كلها ساحة الحرية.
تيسير السامعى
ساحة الحرية 1943