;
د. محمد عبدالله الحاوري
د. محمد عبدالله الحاوري

وطنية ملك: رؤيا تحرك ملكاً، وتنقذ شعوباً 1985

2011-09-19 03:47:53


إن الوطنية في القرآن الكريم تعني الاهتمام بالأحداث التي لها علاقة بشأن الأمة حتى لو كانت رؤيا، فوظيفة المسئول الأول الاهتمام بالشأن العام، والاهتمام بكل إشارة تدل على ذلك، والخوف من أن يغفل عن شيء يكون له علاقة بأمن الوطن، وسلامة المواطن.
 رؤيا منام حركت الدولة وجمعت الملأ وتحركت لأجلها أجهزة الملك، وأحدثت تغييرا وتغيرا واستراتيجيات جديدة، وخطة ممتدة لخمسة عشر عاما، وتبتدئ القصة برؤيا حركت كل ذلك، قال الله تعالى: {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (43.(
إن هذه الرؤيا تظهر وطنية ذلك الملك وحبه الكبير لشعبه؛ واهتمامه لأمر أمته، وعظيم نصيحته لها، وشدة شفقته عليها، ويبرز حسن تدبيره لأمورها، رؤيا جعلته يسهر المنام، ويستدعي الملأ، ويجمع رجال الدولة، ويضعهم أمام المشكلة ويريد منهم إصدار فتوى له فيها.
إن الوطنية الحقة هي الاهتمام بشأن الأمة وبذل الجهد في ذلك، ففي صحيح البخاري عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "ما من عبد يسترعيه الله رعية فلم يحطها بنصحه إلا لم يجد رائحة الجنة" وفي الصحيحين أيضا عنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "ما من وال يلي رعية من المسلمين يموت يوم يموت وهو غاش لهم إلا حرم الله عليه الجنة" وهذا لفظ مسلم، وفي بعض طرقه عند مسلم: "ما من أمير يلي أمر المسلمين ثم لا يجهد لهم وينصح إلا لم يدخل معهم الجنة". وفي مسند الحارث عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "ما من رجل يلي أمر عشرة من المسلمين فصاعدا، إلا جاء يوم القيامة يده مغلولة إلى عنقه فكه بره، أو أوبقه أثمه، أولها ملامة، وأوسطها ندامة، وآخرها عذاب يوم القيامة".
إن الملك الوطني يرسل من يأتيه بالخبر اليقين من يوسف عليه السلام، إن اهتمامه بقومه ووطنه جعل القصر في حركة مكوكية بين القصر والسجن والنسوة، للوصول إلى التمكين لصاحب خطة الإنقاذ. فقد دعته وطنيته أن يخاف على وطنه من كارثة تأتي بعد سبع سنوات رخاء وربما تأتي كارثة السنوات العجاف، وقد طواه الموت، وهو غير موجود.
إن الملك الوطني في قصة يوسف ينـزعج لرؤيا، فأين هذا ممن يدعون الوطنية ويقتلون النفس المحرمة، ويهدمون البيوت المصونة، وينتهكون الحرمات، ويكذبون على الشاشات، وتجد أحدهم يخدع المواطنين في كل كلمة يقولها، ويخادعهم في كل تصرف يأتي من قبله، وفي كل عمل يمارسه، وتجد الإعلام الزائف لا يتردد في وصفه بالوطنية، والحديث عنه باعتباره شخصا وطنيا، وأن ما يقوم به يدخل تحت مسمى الوطنية، والله عز وجل يقول: {يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ} (9) سورة البقرة. وفي صحيح ابن حبان وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "من غشنا فليس منا والمكر والخداع في النار". وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لكل غادر لواء عند أسته يوم القيامة" قال أهل العلم: "عند استه" أي: خلف ظهره؛ لأن لواء العزة ينصب تلقاء الوجه، فناسب أن يكون علم المذلة فيما هو كالمقابل له، كأنه عومل بنقيض قصده؛ لأن عادة اللواء أن يكون على الرأس، فنصب عند السفل زيادة في فضيحته؛ لأن الأعين غالبا تمتد إلى الألوية، فيكون ذلك سببا لامتدادها إلى التي بدت له ذلك اليوم، فيزداد بها فضيحة. وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لكل غادر لواء يوم القيامة يرفع له بقدر غدره؛ ألا ولا غادر أعظم غدرا من أمير عامة" قال أهل العلم: أي: من غدر صاحب الولاية العامة؛ لأن غدره يتعدى ضرره إلى خلق كثيرين.
       فماذا نقول للإعلام الزائف الذي لا يمتنع من إطلاق الوصف بالوطنية على من يخربون البيوت، ويقصفون المساجد، ويروعون الآمنين، ويقتلون الناس بعد صلاة الجمعة، ويحرقون المعاقين، بل يفعلون ذلك ثم يقولون عن أنفسهم: إنهم وطنيون، وعن فعالهم بأنها وطنية، وأن همهم الوطن، وقد جاء في الحديث الصحيح عند النسائي وصححه الألباني عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "يجيء الرجل آخذا بيد الرجل؛ فيقول: يا رب، هذا قتلني. فيقول الله له: لِـمَ قتلته؟ فيقول: قتلته لتكون العزة لك. فيقول: فإنها لي. ويجيء الرجل آخذا بيد الرجل؛ فيقول: إن هذا قتلني. فيقول الله له: لِـمَ قتلته؟ فيقول: لتكون العزة لفلان. فيقول: إنها ليست لفلان فيبوء بإثمه". والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول في صحيح البخاري: "لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما". فالوطنية الحقيقية هي صون الدماء، وليس سفكها، ورعاية الحرمات، وليس هتكها.
وأما من يسكت ويتفرج على القتل ولا ينكر ولا يستنكر فله نسوق بعض الأحاديث، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره" رواه مسلم. قال أهل العلم: "ولا يخذله" الخذل: ترك الإعانة والنصر، ومعناه: إذا استعان به في دفع ظالم ونحوه لزمه إعانته إذا أمكنه ولم يكن له عذر شرعي.
وعن جابر بن عبد الله وأبي طلحة بن سهل الأنصاري ـ رضي الله عنهما ـ قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما من امرىء يخذل امرءا مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته، وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته، وما من امرىء ينصر مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في مواطن يحب نصرته". رواه أبو داود.
وفي الصحيحين عن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة" ومعنى: "لا يسلمه" لا يتركه فريسة للظلم، ولقمة سائغة للظالمين.
إن الذي يتفرج على قتل المتظاهرين ولا يتحرك فهو آثم، ومن يصمت عن الاعتداء على المعتصمين ولا ستنكر وينكر فهو آثم، لأن الواجب عليه نصرة الحق، والدفاع عن المظلومين، وأن ينهض لتغيير المنكر، وإقامة العدل، وإزالة الظلم، وما تسمعونه اليوم نصيحة وبيانا، ترونه غدا بين يدي الله عيانا، نسأل الله أن يلهمنا رشدنا، وأن يوفقنا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
 

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد