بداية: في نضوج اليأس يبزغ الأمل..
قبل أن أخرج من بيتي كل صباح أتحلى بكثير من سعة الصدر وأنا أخط بقدمي ذات الشارع كل يوم وذات الحارات المكتظة بأنواع وأشكال من القمامة والمخلفات..حوطة القمندان يا سادة غارقة في بؤس وشقاء وخراب منقطع النظير..لا حياة لمن تنادي؟..
أشكك كثيراً في حياة الناس فيها، أتمنى حتى لو نرقى للمستوى العربي المعتاد في الشجب والاستنكار، لا أطلب أن نرقى لمستوى الربيع العربي الجديد ونشعلها ثورة على أنفسنا المتردية وأحلامنا المكسورة وأرواحنا المجروحة بجرح مدينتنا رغم أن العصيان المدني والمظاهرات والاحتجاجات والنضال السلمي زلزل أعتى وأعنف القوى الاستعمارية حول العالم.. لكنا وللأسف قد هوينا إلى قاع بغيض من السلبية واللا مبالاة واللا وطنية. ليس بالضرورة أن تلبس كل المظاهرات والاحتجاجات طابعاً سياسياً بحتاً فلم لا نحتج على نفوسنا أيضاً؟، ألا نستحق ذلك؟ ألا تستحق الحوطة ذلك؟، ولما لا نغير ونمسح ما بها من شتات؟ ففي الحوطة نشحذ لبعضنا البعض كل أنواع الخناجر حين تشتتنا السياسة فتزيد بذلك شتات مدينتنا..كل شيء يسيس هنا حتى المجاري تتفجر في أوقات حرجة جداً..
تحدثت إلى إحدى النساء في حزب الإصلاح أن نعمل وقفة احتجاجية ومظاهرة نسوية للتعبير عن سخطنا الشديد عن أوضاع النظافة المتردية في المدينة فرحبت بالفكرة سريعاً، فعرضت ذات الفكرة على أخرى في الحزب الاشتراكي وثالثة من المؤتمر ومن مؤيدي النظام ورابعة من أنصار الحراك الجنوبي..وأخريات ليس لهن أي توجهات سياسية بل يحبين مدينتهم ويبكين ألماً لما وصلت إليه من بؤس..حتى جدتي رحبت بالفكرة كثيراً وشجعتني على تنفيذها..الكل فرحن ورحبن كثيراً بالأمر تهللت أساريري لقد فرحت من قلبي أن النساء في لحج قادمات وأننا سنتفق وأخيراً بعد اختلافات الرجال..ولعلنا نصلح ما أفسده ويفسده الرجال، لكن تعثر الحلم بذات الأمر التي تتعثر به أحلام الشعوب..
(إنها السياسة البشعة)، فهنا تنزف الأرض تحتي بعد أن اغتالوا حلمي أمام عيني لأن كلمات وشعارات وأفكار فلانة لا ترضي علانة!! ومثلما حدث بيننا يحدث أيضاً بين رجال مدينتنا.أخبرت الجميع أن علينا أن نترفع عن كل اختلافاتنا لأن الحوطة أغلى والكل منا ينشد أصلاحها..رجعت كلماتي إلى فمي بصداها القوي، فأدركت ساعتها عمق المأساة التي نعيشها..لن تتغير مدينتي ونفوسنا بهذه القسوة على بعضنا البعض,لملمت بقايا أفكاري وأحلامي وغادرت الجميع وأقسمت على نفسي ألا أزرع بعد اليوم في تربة مسمومة وأعذروني على قسوة كلماتي، لكنها الحقيقة التي أواجهها وأتألم بها بصمت ولست وحدي بالطبع، فهناك الكثيرون من أبناء مدينتي ينشدون أمل وحلماً جميلاً لوطن جديد، لكن هذا الحلم لا يكفي لوحده لتغيير واقعنا المخزي..المطلوب عمل كثير..عمل مثمر ولا تثمر الأعمال إلا حين تصدق النوايا ويترفع الجميع عن منافع ومصالح الذات... لا يثور الإنسان في الحوطة وحدها المجاري والقمامة تثور هنا. تنفست الصعداء حين غاب عنا(علي صالح)...انقطعت أنفاسي منذ عودته، لكن حين يغيب عامل النظافة ليومين فقط أدرك أهميته وقداسة ما يقومون به وأحتقر كل من ينظر بعين ازدراء لعمال النظافة الذين لا يحسنون شراء حتى رغيف خبز حاف لحقارة المبالغ التي تصرف لهم فكيف حين لا تصرف؟، وحين يقضون شهور طويلة دون مستحقات..حين يسلبون الناس حقوقهم فلا تنتظرون منهم أداء الواجبات وساعتها تتهاوى كل الموازيين وتفقد البوصلة مصداقيتها في تحديد الاتجاه.
النظافة واجب ديني قبل أن يكن واجباً مدنياً تتفاخر به الشعوب وتتباهى لتثبت تقدمها ورقيها الحضاري, وأنا في غياهب مدينتي وبين حاراتها(حوافيها) المكتظة بالهموم والمعاناة أتلاشى وأغيب بعيداً، ثم أعود لإيماني الشديد بحقي وحق شعبي بوطن يحبنا ونحبه, وطن نظيف نتشارك جميعاً في تكنيس حاراته وشوارعه، فواجب الجميع ليس واجب الفرد وحده..متى يثور العقل والتفكير؟؟، لا زلت أؤمن أن لا يتقدم المجتمع إلا حين يتحرر الفكر فيه قبل أن تصرخ حناجر أفراده: حرية..حرية..حرية..وينك يا الحرية وين؟؟ سأمشي كل صباح في ذات الطريق وسأعبر في ذات الحارات وسأرى ذات المشاهد وسأدفن ساعتها ذاكرتي في كومة من الملفات لأتغافل بها عن الصورة التي أراها أمامي حتى لو غابت لأني سأعود بعد يوم عمل شاق وسأعبر ذات المكان وسأرى ذات المشاهد لن يتغير شيء لكن ما بداخلي يثور ويتغير مع كل ذهاب وإياب..
لك السلام يا مدينتي الغالية، فالحوطة كالوطن بأكمله محتاجة (دفشة قوية جداً) وعلى قولة السيدة(فيروز): هالسيارة مش عم تمشي بدها حدا يدفشها دفشة..بيحكوا على ورشة تصليح ما عرفنا وين ها لورشة؟؟؟ ..وفي الأخير(القبقبة للولي والفايدة للي بيدفش الوطن دفشة قوية )..
هامش أخير: يأيها القناص ثمن الرصاصة يشتري خبزاً لنا وشبابنا قد سال نهراً من دماء بيننا..لم لا يكون سياج أمن حولنا هذا الوطن؟؟ لم لا تكون ثماره ملك لنا؟، لم لا يكون ترابه حقاً لنا؟، سترى بطوناً خاوية..وترى قلوباً واهية..وترى جراحاً دامية، فالأرض ضاقت ليس لي فيها سند..والناس حولي لا أرى منهم أحد؟، حتى الجسد قد ضاق بي هذا الجسد!!
(فاروق جويدة)
شيماء صالح باسيد
ثورة المجاري والقمامة في حوطة لحج 2198