لطالما حرص علي عبدالله صالح على ذر الرماد في العيون، وذلك باستغفاله للشعب في جميع القضايا وعلى مختلف الأصعدة بارتكاب الكثير من (الخطايا) التي لا تغتفر، وبتبرير كل تلك الخطايا، عبر سلسلة من الأفكار (الإبليسية) والمخططات (الجهنمية) التي لم تراها عين ولم يشعر بها قلب ولم تخطر على عقل بشر !.
وقد استخدم علي صالح الورقة الدينية كثيراً في إطارات متعددة، ومنذ أن بدأت الثورة اليمنية الحالية في 11 فبراير من هذا العام، خرج صالح إلى الملأ شاهراً الورقة الدينية في يده، فظهر في مؤتمر لبعض علماء (السلطة) وهو يمسك بالمصحف الشريف في يده، وهو يقول: هذا حكم الله بيننا وبينهم، وربما أن الرجل لم يفتح ذا المصحف، ولا يدري ما فيه، ولم يقرأ الآية التي تقول {إنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا} ولم يقرأ الآيات التي تحرم الظلم وأخذ حقوق الناس بالباطل، ولم يقرأ كيف أن الله قال {ألا لعنة الله على الكاذبين}، وهو يكذب ليل نهار، ولم يقرأ {ألا لعنة الله على الظالمين} وهو يظلم منذ 33 سنة، وفي الأخير يأتي ليقول: هذا كتاب الله بيني وبينهم !.
ومؤخراً خرج علي صالح بطلب غريب على كل عاقل، أما عليه هو فليس بغريب، فقد تعود أن يطلب العجائب ويفعل العجائب، وذلك الطلب بكل بساطة كان من أهم فئات المجتمع، وشعاره في هذا قوله (صلى الله عليه وسلم) (صنفان من أمتي إن صلحا صلحت أمتي..العلماء والأمراء) أو كما قال عليه الصلاة والسلام، ولكن في الحقيقة لم يكن لا الأمير صالحاً ولم يكن أولئك (أشباه العلماء) صالحين، وقد كان هذا الطلب هو (فتوى) تجيز له قتل الناس وسفك الدماء باسم الدين وعبر العلماء !.
فالكثير من أولئك الذين طلب منهم صالح الفتوى الخاصة بتحليل دماء اليمنيين لهم، ليس لهم من مقاصد العلم والشريعة شيئاً، وإنما تمسكوا بالقشور من الدين وهدموا أصل الدين، فكل همهم وكل علمهم هو أحكام (النفاس) و(الحيض) و(الاستنجاء) وغيرها من القشور التي ليس لها صلة بمقاصد الإسلام الكلية الخمسة والتي جاء الدين الإسلامي الحنيف ليحققها، فأين حماية (الدين) وبلاطجة صالح عندما أحرقوا ساحة الحرية في تعز قاموا بتدنيس المستشفى الميداني الذي هو عبارة عن (مسجد) وقاموا بركل المصحف من بين يدي أحد الجرحى وهم يقولون له : تقرأ حق المطاوعة! فأين كان هؤلاء (العلماء)، وأين حماية (النفس) ونحن نرى أن قائمة شهداء الثورة السلمية قد تجاوزت الألفي شهيد ولم نسمع أي كلمة في حق هؤلاء من قبل أولئك (العلماء)، وأين حماية (المال) ونحن نرى منذ سنين السلب والنهب لأراضي الجنوب وللمال العام في كل المؤسسات الحكومية ولم يتكلم أحد من أولئك (العلماء)، وأين حماية (العقل) ونحن نرى إجبار الفقراء والضعفاء على حضور مهرجانات الفساد دون أي مراعاة لعقولهم ولم يتحدث أولئك (العلماء)، وأين حماية (العرض) ونحن نرى الأعراض تنتهك في أكثر من مكان، ولا يخفى ما حصل لنساء تعز من تحرشات في كثير من المظاهرات حتى وصل الأمر بهم إلى تهديدهن بالاعتداء الجنسي، أليست هذه هي مقاصد الشريعة الإسلامية الخمس، أم أن عندكم كلام آخر يا أصحاب (الفضيلة) الغائبة !.
عذراً للعلماء الحقيقيين إن أطلقنا على من وقعوا على هذا البيان (علماء) ولكن ما باليد حيلة، ولا تضر التسميات طالما أن الأفعال تكشف الوجوه الحقيقية لأصحابها، ولأن الوجوه هي (الدليل) فإن من تابع لك المؤتمر لم يشاهد أي من علماء اليمن الأجلاء، وإنما وجد (أشباه) وربما (أشباح)، وكان على رأسهم فضيلة العلامة (طارق محمد عبدالله صالح)، وربما أن أغلبية أولئك هم ضباط أمن قومي، وغلاة كل الفئات من (سلفيين وصوفيين...الخ)، فمن رفع شعار (لا للتطرف والغلو) هاهو يستنجد بالمتطرفين لكي يصدروا له فتوى تبيح له قتل الناس، لكي يبيحوا له الإفساد في الأرض رغم أنه ليس بحاجة إلى تلك الفتوى فالرجل (مفتي) من بيتهم، وما فتواه في تحريم الاختلاط إلا دليل على ذلك، ولكن ذلك ابتلاء من الله ليعلم من يفرحوا بمال السلطان ويذهبوا معه إلى (قلب) الإسلام رأساً على عقب، كيف وهم يفتون بقتل الناس ورسول الله يقول : (لهدم الكعبة حجراً حجرا أهون على الله من إراقة دم امرئ مسلم)، فهؤلاء العلماء بفتواهم هذه يساعدون على هدم الكعبة آلاف المرات، ولم يكفهم كل ما سبق ذلك من هدم للكعبة حينما سال الدم الغالي وأزهقت الأرواح البريئة الطاهرة طيلة شهور هذه الثورة السلمية، وحتى فيما سبقها من سنين الظلم والجور والطغيان، وأنصحكم يا علماء (صالح) أن لا يستخفنكم صالح وجنوده، ولا تظنوا أنكم أصبحتم (علماء) بحق بعد مباركة صالح ومسحه على جباهكم، ولتعيدوا قراءة قوله تعالى { قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً}، فأنتم ربما تحسنون صُنعا لمولاكم (علي) الذي تدينون له بالولاء، وتهبون في سبيله أمانتكم وذمتكم، وتتخلوا لأجله عن جميع المشاعر الإنسانية التي تحرم القتل بعيداً عن تسميتكم بالعلماء، فأعتقد أنه حتى أصحاب الجرائم والسوابق لن يصلوا إلى هذا المستوى الذي يبيح قتل الناس كافة فقط لأنهم قالوا للظالم : يا ظالم إرحل عن أرضنا !.
أعلم أني ربما ألقى بعض اللوم على هذا الكلام من قبل البعض، ولكننا وصلنا إلى مرحلة لا يمكن فيها السكوت، لقد شبعنا سكوتاً، وقد خرج الشعب بأكمله ليقول كلمته، وعندما حانت فرصة الكلام يأتي هؤلاء (الأشباح) ليفتوا بقتلنا، يا لعمري ما هي العقول التي يمتلكها هؤلاء، وما هي القلوب التي تنبض فيهم، أيُّ عالم ذاك الذي (يركع) أمام قدمي الزعيم ليرضى عنه وليصرف له حفنة من الريالات، ولا يركع لرب العالمين الذي يركع له من في السماوات والأرض، أيُّ عالم ذاك الذي (يسجد) أمام الزعيم و(يعفر) لحيته بتربة القصر المبجل، ويتودد إلى من يقربوه من الزعيم زلفا، ويسبح بحمد الزعيم من دون رب العالمين، أيُّ عالم ذاك الذي يبيح قتل الناس ويحرم الاعتصامات السلمية لأجل هوى في نفس إلاهه ومولاه وزعيمه؟!
لتتقوا الله، لتتقوا الله، وأنا أعلم أنكم لن تسمعوا كلمتي، فأنتم تتخيلون أنفسكم (علماء) بحق، ولكن ربما تنفعكم هذه الكلمة يوم لا تنفعكم (اللحية) الطويلة ولا (المسبحة) الممتدة ولا (المسواك) الذي أدمنته أفواهكم، نحن لا ننتقص من اللحية والمسبحة والسواك فهنَّ سنن نبوية، ولكننا ننتقص من العقول الخائرة والأفواه التي تنعق بما يدمر شعب ويقضي على وطن، اتقوا الله (فرُب كلمة يقولها قائلها تهوي به في النار سبعين خريفاً) ومن يفتي بقتل الناس فقد خسر وباء بالوبال، فعودوا قبل أن لا تنفع العودة، واندموا قبل أن لا يكون هناك مجال للندم، وتوبوا قبل أن تلاقوا رب العالمين، الرب الذي أسجد لهذا الإنسان الذين تفتون بقتله جميع الملائكة، حينها لن ينفعكم علي ولا حمود عباد، ولن ينفعكم إلا إيمانكم و(فتاواكم)، أما إذا أصررتم على هذه الفتوى التي قلتموها فأبشروا بالخسران المبين، ولا حول ولا قوة إلا بالله، هو القوي وهو على نصرنا إذا يشاء قدير !.
Tarekal.banna@yahoo.com
طارق فؤاد البنا
أهؤلاء علماء ...أم تجار حروب ؟!! 2011