من المعروف أن سنة الله في الكون هي التغيير، وذلك التغيير لا يتم إلا وفقاً لقوانين إلهية لا تحابي أياً كان، ومن المعروف أيضاً أن التغيير دائماً ما يبدأ من داخل النفس ومن عمق الروح (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، ولأن التغيير يكون سببه الإنسان فقد ربط الله استبداله للناس بسبب، وذاك السبب هو التولي عن سنة الله في الحياة (وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم)!.
وقد عاشت الشعوب العربية مرحلة (منحطة) منذ أن ابتعدت عن سنة الله في الكون، فتبدلت الأدوار بين الأمم، فعاد العرب إلى أسفل سافلين، متذكرين تلك المرحلة التي سبقت ظهور الدين الإسلامي الحنيف حينما كان يطلق عليهم (كلاب الصحراء)، فحنَّ العرب إلى ذلك الماضي وتلك التسمية، فعادوا إلى (قعر) التخلف البغيض، ولأن التخلف يكون على سائر المستويات فقد كان التخلف السياسي أحد أهم أنواع التخلف الذي جعل العرب في ذيل قائمة الأمم والشعوب والحضارات !.
ولأن القاعدة الربانية هي (كيفما تكونوا يول عليكم)، فقد أمسك بتلابيب الحكم في الدول العربية مجموعة من (الأصنام) التي ما فتئت تقول للناس (أنا ربكم الأعلى) وإن لم يكن بلسان (المقال)، فإنهم يقولونها بلسان (الحال)، فالزعيم هو الكل في الكل، وهو الوطن، وهو الدستور، وهو القانون، وهو الحكومة، وهو العلماء.. باختصار هو كل شيء، وقد رضي بذاك الحال الكثيرون من أبناء الشعوب المقهورة، بل إن فئة كبيرة ما انفكت تعلن (عبادتها) لأولئك الزعماء، عبر مختلف الوسائل والأساليب، ولا يخفى عنا ما قاله كثير من منافقي صالح وبشار ومعمر ومبارك وغيرهم !.
ولأنه لكل فعل رد فعل مساوٍ له في القوة ومعاكس له في الاتجاه، فقد كانت أفعال الزعماء (الطغيانية) المستمرة خير (منبه) للشعوب المقهورة، وعندما تغيرت النفوس من الداخل، وأحست بالظلم الذي تعيشه فقد انتفضت تلك الشعوب، وأعلنت انتهاء مرحلة (الصنمية) التي عاشوها لسنين طوال، وأعلنت الثورة على تلك (الأصنام) التي تربت وشبَّت وشابت على تلك الكراسي (الملعونة) والتي لم يأت للشعوب من ورائها إلا القهر والفقر والجوع والظلم والاستبداد والطغيان !.
وبدأت الحكاية من (تونس) عبر ثورة الياسمين، فحينما أحرق (محمد البوعزيزي) نفسه كان ذلك إيذاناً بقص شريط الافتتاح لاحتراق ممالك الظلم والظالمين، فتغير الحال في تونس في ظرف عدة أيام لينقلب رأساً على عقب، فبعد أن ظل (زين العابدين) يطارد معارضيه وينفيهم من على أرضهم انقلب الحال وصار هو المنفي من بلاده، ولكم شعر بالخزي وطيارته تدور في الجو دون أن يسمح لها أحد بالهبوط في أراضيه، حتى حلفاءه في فرنسا وأميركا رفضوا ذلك، لأن علاقاتهم ليست مع الحكام، فما الحكام إلا مجرد موظفين، وعندما تنتهي وظيفتهم ينتهي استخدامهم كـ(كروت) الشحن ما إن تنتهي منفعتها حتى ترمى في الأرض، ولكن أولئك الحكام لم يفهموا، وإن كان (زين الهاربين) قد قال : أنا فهمتكم، ولكن كان الوقت قد تأخر، بل وتأخر كثيراً بعد أن أصبحت تونس دولة تضاهي أكبر الدول في العلمانية ومضايقة الدين الإسلامي، بل حتى وصل الأمر إلى أن شهرة تونس وهي الدولة العربية والإسلامية في مجال (السياحة الجنسية) وصلت مرحلة كبيرة في ظل حكم بن علي !.
وبعد بن علي جاء الدور على مبارك، فذاك (الزعيم) الذي لم يتصور أحد أنه سيسقط من على كرسيه الذي جلس عليه قرابة ثلاثة عقود من الزمن في النهاية سقط، رغم كلما فعله في سبيل خدمة مصر كما يقول، وقد كان مبارك يمثل (العمود الفقري) للزعماء العرب، فهو أهم زعيم، ليس لشخصيته (الكارزيمية) فحسب، ولكن لأهمية مصر ودورها العروبي والإسلامي في مختلف العصور، ولأن دوام الحال من المحال، فقد طبق مبارك خلال سنوات حكمه سياسية أمنية قوية جداً، وانتهى المصير بالآلاف من قيادات وأبناء الإخوان المسلمين إلى السجون (المباركية) بعد محاكمات هزلية إن توفرت، ولكن هاهو القدر يغير الأحوال، فحينما يرى المرء صورة مبارك وهو على سرير المرض يُقاد إلى (قفص) الاتهام ذليلاً صاغراً يتأكد أن الله يمهل ولا يهمل، وأنه مهما بلغت (فرعنة) الإنسان فإنه حتماً سيعرف أن الله حق، ولا بد أن مبارك قد عرف ذلك، ولكن بعد فوات الأوان !.
وبعدهما جاء الدور على عميد (الطغاة) العرب، جاء الدور على كبير (المجانين) العرب، جاء الدور على الثائر المقاتل الذي أتى من الخيمة ومن البادية، جاء الدور على (معمر) الذي يناقض اسمه فعله، فقد هدَّم الرجل كل شيء في بلاده، ودمَّر (معمر) كل ما خطر بباله من ممتلكات الشعب، بل وحول شعبه إلى شعب فقير رغم غنى بلاده بمختلف الثروات وعلى رأسها النفط المتوفر بكميات كبيرة جدا، ولحكاية (القذافي) قصة كبيرة تكاد تفاصيلها لا تنتهي، ولكن لأن دوام الحال من المحال، فقد اندثر عرشه رغم أنه صاحب الرقم القياسي في البقاء على الكرسي (42) عاماً، ولكن لأن عقليات الطغاة ونفسيات المستبدين ترفض الاعتراف بالآخر، وبأن قدرة الله فوق كل قدرة، فقد عميت عيناه عن رؤية جحافل الشعب الثائر ضده، وأصر أن من خرجوا عليه هم مجرد (جرذان)، ودعا إلى مطاردتهم حسب أغنيته الشهيرة (زنجة زنجة..دار دار)، ولكن عندما تبدلت الأدوار وتغيرت الأحوال صار الثوار يطاردونه (زنجة زنجة...دار دار) وهو يختبئ في الملاجئ كما (الجرذان) الحقيرة، وسبحانه تعالى فقد جازاهم من جنس ما صنعوا، وأحاط بهم من حيث لم يحتسبوا !
أما حكاية (صالح) اليمن فإنها إلى الآن لم تنتهي بعد، ورغم أن حكاية علي صالح تبدو أقرب إلى (الفيلم) السينمائي أو (المسرحية) الهزلية إلا أن ما يعيشه الشعب في ظل وجود (جاكي شان) على رأس السلطة يجعل حياتهم تزيد سوءاً يوماً بعد يوم، فقد ظهر أبطال فيلم (الأكشن) يقتلون ويدمرون ويحرقون الأخضر واليابس، بل ويحرقون حتى البشر كما حدث في تعز، وليتهم كانوا دائماً هكذا، لكن عندما تعلق الأمر باحتلال جزر (حنيش) من قبل إرتيريا ظهرت الحكمة اليمانية التي لم تطلق طلقة واحدة، ولكن عندما خرج الشباب ليقولوا كلمة الحق استخدمت في وجوههم كل ما صُنع من أسلحة، ولكن الله لا ينسى عمل أحد، وكل ظالم يأخذ الجزاء على قدر ما فعل، فهاهي (الثعابين) التي ظل صالح يراقصها ها قد بدأت بالانتفاض عليه، وربما توجه له (اللسعة) الأخيرة عما قريب، ولا يخفى أن الكلمة التي كان يرددها صالح دائماً كانت هي (هدم المعبد عليَّ وعلى أعدائي)، وأعداءه هم أبناء الشعب أجمع، ولكن لم يهدم المعبد إلا على رأسه هو فقط، وذلك في حادثة (النهدين)، ولعل استعدادات صالح للدخول في الحرب، تنذر بأن الرجل قد يكون له خاتمة أسوأ ممن سبقوه إذا لم يهتدي إلى طريق الصواب !.
أما (أسد) سوريا فقد ثارت عليه (الغابة) بكل من فيها، ولكنها ثارت عليه لتغير شريعة (الغاب) التي تسود في بلاده، ولتعيد بلاد الشام إلى سابق عهدها ومجدها، ورغم الإصلاحات الشكلية التي أجراها إلا أن (طوفان) الثورة مستمر، ولم يتوقف (المد) الثوري في مقابل (الجزر) الذي يشهده مناصرو النظام هناك رغم القوة والعنف والقبضة الحديدة التي يدير بها النظام البلد منذ زمن، حيث أنه لا مجال للحديث عن الحريات في سوريا، وكل من تكلم يعتقل أو يتم تصفيته، وفي الأخير يتم تبرير كل ذلك باسم أن سوريا دولة (ممانعة) وهي من يقف بالمرصاد لإسرائيل، ولكن في الحقيقة أن النظام السوري هو النظام الأكثر انبطاحاً أمام إسرائيل وأمام الغرب، وما الحملات السابقة عليه من قبل إسرائيل وأميركا والغرب إلا لكي يظهروا للعالم أنه عدو لهم، وأنه لولاه لما كانت هناك مقاومة، ولكن مع الأحداث الأخيرة وجدنا كيف يتعامل الغرب بأجمعه مع العنف الحاصل في سوريا، ولم تبدأ المطالبات الدولية (الخجلة) برحيل الأسد إلا بعد أن سالت أنهار الدم في كل مكان من الشام، ولكن هل باستطاعة الأسد أن يوقف قدر الله وصحوة الشعب، أعتقد أن هذا مُحال، وسوف تظهر الأيام القادمة مصير الطاغية !.
في الختام، أؤكد أنه كلما طال عمر النظام في مقاومة الثورة فإن ذلك لا يدل على قوته أو على حب الشعب له، ولكنه يدل على دمويته وعمالته، ولكي يفضح هذا النظام المتخفي خلف (الأقنعة) الزائفة، وكذلك إن الله يريد الشعوب التي (فرعنت) زعماءها أن تدفع الضريبة والثمن، فليس هناك شيء يمر دون ضريبة، وليس هناك حرية بدون ثمن، وللزعماء: ليس هناك جريمة تمر دون عقاب !!