دمّر النظام كل الحاضر، ونصف المستقبل، وعاد لتدمير الماضي. نظام سرطاني، يصر على الخروج، وقد أتلف الجسد ككل.
في تعز، ارتفع مؤشر الحقارة إلى أعلى مستوياته: المدينة تُضرب كل ليلة من قلعة تاريخية، ومستشفى، ومكتب تربية وتعليم.
النظام لا يحترم الداخل والخارج بمواصلة شرب دماء الشعب، وهذا أمر مفروغ منه.
المخزي، توسّع قلة الاحترام، لتمتد إلى التراث الإنساني والتاريخي، من خلال تحويل قلعة أثرية، إلى معسكر تمتلئ بأسلحة ثقيلة مهمتها قصف الأحياء السكنية. كانت موقع يُزيّن المدينة، فباتت مصدراً لترويعها.
العار، أن يتم التنكيل بالصحة.. مستشفى بنته جمهورية الصين، يتحول إلى معسكر، أن يُغلق قسم الطوارئ، ويفتتح قسم "للقناصة".
المؤلم، أن يتّوج هذا النظام مسيرة تجهيل الشعب، بتحويل مكتب التربية والتعليم في أكبر مدينة معروفة بتصدير المتعلمين، إلى موقع عسكري.. في المكان الذي من المفترض أن ترفرف سارية علم، ينتصب رشاش 12/7.. وفي مخازن الكتاب المدرسي، تتكدس أنواع الأسلحة المتوسطة والثقيلة.
هل هناك"بجاحة"أكثر من هذه.. لا أظن؟
الحرب التي يشنها النظام على تعز، انتقامية بحتة، تجلت صورها مساء أمس.. القذائف أمطرت فوق كافة الأحياء السكنية، لم تفرق بين منزل وجامع، بين معمل خياطة، وباص نقل.
كان لمدير أمن تعز وقائد الحرس الجمهوري مهمة معروفة خلال الشهر الفائتة، تتمثل في حماية القصر الجمهوري، والقضاء على ساحة الحرية والثورة في المحافظة، وعندما شعروا بالإخفاق، تبدلت المهمة: تدمير المدينة بشكل عام.
يفيق أبناء المدينة من شبه نوم، ولا يعرفون أنهم سيشاهدون صباح اليوم التالي، حياتهم مرهونة تحت رحمة دبابة تعتلي كل الجبال والمرتفعات.
ستواصل آلة القتل في تعز، تنكيلها بالمدينة, مستغلة ظلام الليل، حتى لا ينقل جرائمهم، و غياب إعلام مرئي، لا ينقل إلا ذرات مما يجري على الأرض، وسبات أحزاب معارضة، تكتفي بإصدار بيانات للتنديد بالجرائم الوحشية فوق سكان المدينة.
في تعز، لا وجود إلا لحاكم عسكري، فار من وجه العدالة، يعشق القتل، وجد في تعز ما تشتهي رشاشاته.. السلطة المحلية كسيحة، ويتم استخدامها فقط، للرد على استغاثات المدنيين..
تخيلوا: ترسل لجنة التهدئة رسالة لمحافظ المحافظة، تطلب من تحمل مسؤولياته، فيرد عليها"بتصريح"، يقول إنه تلك الرسالة"تخدم المتمردين".. لا يمكن لإنسان يمتلك ذرة من الإحساس أن يقول كلام كهذا..
أتعجب من المناشدات التي تُوجّه لمحافظ المحافظة، تطالبه بـ"تحمل مسئولياته، أن يكون له كلمة، ويقوم بإيقاف المجازر التي ترتكب ضد أبناء محافظته، وتختتم مناشدتها بعبارة"التاريخ لا يرحم"..
التاريخ والجغرافيا والتربية الإسلامية لا يرحمون من يمتلكون مشاعر إنسانية، لا أشخاص، يستخدمهم قيران كـ"متارس"، للتغطية على جرائمه.
بعد محرقة ساحة الحرية، قال المحافظ إنه يدين الفعل، وأنه كان في إجازة مرضية حينها ولم يكن يسمح بذلك أن يحدث لو كان في المدينة، وحين عاد إلى عمله، سافر إلى جنيف، لدحض تقرير لجنة تقصي حقوق الإنسان التي تدين مرتكبي محرقة ساحة الحرية.. هل هناك أمل في أن يفيق مثل هؤلاء، ويسمعون دوي صرخات أطفال مدينتهم؟.
تعز تصارع بمفردها، ولا تنتظر أي صحوة من جهة عاجزة.. تعز تحت القصف نعم، لكنها فوق كل الصغار.
alkamaliz@hotmail.com