;
د. محمد عبدالله الحاوري
د. محمد عبدالله الحاوري

ثورة الشباب ثورة العطاء والفداء للوطن 2739

2011-10-09 04:04:15


إن ثورة الشباب الشعبية السلمية هي ثورة العطاء والفداء بامتياز، فهي ثورة التضحية بالنفس، والمال، والوقت، والجهد، والمنصب، فقد هب الشعب اليمني كله وبكل مكوناته وإمكانياته للتغيير، وتحمل الشعب اليمني العظيم.
تحملت جموع الثائرين والثائرات من الأحرار والحرائر تكاليف الفداء بذلاً للدم وتضحية بالأرواح، وهتفوا لليمن: "وهل يغلى عليك دم" وتسابقوا للتضحية بالنفس، "والجود بالنفس أقصى غاية الجود" وسارت الجموع هاتفة ومرددة: "بالروح بالدم نفديك يا يمن".
وقدم الثوار والثائرات التضحية بالوقت والوقت هو الحياة، فلأجل اليمن ومستقبل أجيال اليمن، قدمت هذه الجموع مصلحة الوطن على مصالحها، ولأجل اليمن التزموا البقاء في الساحات والميادين الشهر وراء الشهر، مرددين: "اعتصام اعتصام حتى يسقط النظام" وهاتفين "صامدين صامدين يا زعيم الفاسدين" إن هذه التضحية بالوقت، وما يترتب عليها من مصالح شخصية في سبيل مصلحة الوطن، تعد عطاء كبيراً وعظيماً يحيي في النفوس قيم الولاء الوطني، ومعاني حب اليمن فعلاً وسلوكاً ولا يدرك ذلك إلا من ذاق طعم حب اليمن وهو يبيت مع المعتصمين، ويرقد بين الثائرين؛ لأجل من كل ذلك لأجل اليمن.
وأعطى الثوار والثائرات نفاقتهم من الأموال لأجل الثورة كل بحسب قدرته، ودرهم إلى درهم مال، وهكذا تكونت الملايين، فريال إلى ريال، يصنع العشرة، وعشرة إلى عشرة تقيم المائة، ومائة إلى مائة توجد الألف، وألف إلى ألف يتجمع ليصل إلى المليون.
إن تضحية الشعب اليمني شباباً وشيوخاً ورجالاً ونساء بالجهد المبذول مسيرات تتبعها مسيرات، ومظاهرات وراءها مظاهرات، واحتشاد في وقفات احتجاجية، وصلاة في الساحات، حيث العيد في الساحات أحلى، وحيث صلاة الجمعة وسط الملايين، هذه التضحيات الكبيرة، جعلت من اليمن قبلة للثائرين، وقدوة لأحرار العالم أجمعين، صارت الشعوب تتعلم التضحية من اليمن، وأصبحت الأمم تتطلع إلى المعاني الوطنية والإنسانية في ثورة الشعب اليمني حدا يقول معه أهل تونس: إن التونسيين الذين أشعلوا الثورة العربية في ربيعها العربي أصبحوا يتعلمون من الثورة اليمنية.
إن قدرات الشعب اليمني على التضحية كانت متعددة الأمثال، متنوعة العطاءات ومن أهمها تلك التضحيات الكبرى بالمناصب، فقد تبرأ الرجال الكبار من ولائهم للنظام الفاسد، وأعلنوا ولاءهم للوطن الكبير، ونبذوا العمل مع الفاسدين والتحموا بالشعب العظيم، لقد قدم القادة العسكريين والوزراء والوكلاء والسفراء ومدراء العموم ورجالات المجالس النيابية والشورى استقالاتهم لأجل اليمن، وتعرضوا مرارا لمحاولات الاغتيال لأجل اليمن الغالي ترخص النفس والنفيس.
فماذا كسبت اليمن من عطاء التضحية والفداء، كسبت اليمن انتصار الإرادة، حقق الشعب مراده، انتصرت إرادة الشعب، ويوم قال خطيب جمعة الستين: قتلتمونا فلن تحكمونا، هتفت بها الجموع الغفيرة تشق بصوتها عنان السماء: "قتلتمونا فلن تحكمونا".
انتصرت الإرادة الشعبية في السير بالثورة نحو تحقيق أهدافها دون التفات لما يطلقه النظام المتهالك ماديا ومعنويا وجسديا من بالونات أو دعايات، مضت الثورة تتحرك وفق برنامجها في التصعيد السلمي في خطوات ثابتة لتحقيق النصر القريب إن شاء الله.
انتصرت الإرادة حين انكشفت سوءات النظام، وحين أعلن جمال بن عمر أن صالح هو من يعرقل تنفيذ المبادرة الخليجية برفضه التوقيع عليها، انكشف زيف النظام أمام العالم كله، ومن خلال تضحيات الشباب وصمودهم، وعدم انجرارهم للعنف، ولا قبولهم الإكراه على العنف، ومن خلال مقابلتهم للموت بالابتسامة، وللرصاص بالصدور العارية، أدرك العالم أن الشباب الثوار هم الشريك الحقيقي لتحقيق الأمن والأمان في اليمن وفي الإقليم بل والعالم في هذا الركن المهم من العالم.
انتصرت الإرادة في فضح دعاوي النظام بأنه الضامن للأمن في اليمن والإقليم، فقد ظهرت شهوة المنصب والقدرة على القتل بصورة بشعة، حتى من كانوا يتصورون أن وجه النظام بشع وقبيح، لم يكن يخطر ببالهم أبدا أن قبحه بهذا الحجم، لقد تفاجأ العالم وفي مقدمتهم الشعب اليمني الطيب بقسوة النظام، وجرأته على القتل، بصورة شملت كل الفئات من الأطفال إلى النساء إلى المشايخ الطاعنين في السن، ولم يكن أحد يتصور أن توجه بندقية الجيش اليمني إلى صدر المواطن اليمني، ولم يكن أحد يتوقع أن تقوم الطائرات اليمنية بقصف الآبار والبيوت لمواطنين يمنيين.
لم يبق مع النظام إلا من يبيع دينه وديناه بدنيا غيره، وحرك النظام الورقة الدينية، وجاء بعلماء الدفع المسبق، من المتخصصين في الفتاوى الجاهزة، بجواز قتل شعب بأكمله، وبالمناسبة فإن الشاعر الكبير عبد الله البردوني لم يخن شعره، فلم يمدح أي رئيس يمني، طيلة ستين عاما من الشعر لم يقل بيت شعر واحد يمتدح فيه مسئولا، وفنان الثورة أيوب طارش فنان الوطن والأناشيد الوطنية، لم يخن فنه، فلم يمتدح رئيسا واحدا، وإنما تغنى لأيلول لسبتمر، لليمن، للسواعد السمر، لبناء الوطن، وحدهم علماء السوء من يخونون الدين، ويبيحون القتل، ويقدسون الظلم، ويوالون الظالمين، وحدهم، وصدق الله العظيم حين تدث عن علماء السوء بقوله: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ(175) َلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) } سورة الأعراف. وقال الله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (5) سورة الجمعة.
إن هؤلاء عبدة الدرهم قد ألغوا فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وألغوا الوجود الإنساني الذي يرفض الظلم ويتناصر المؤمنون فيه ضد الظالمين، ذكر القرطبي في تفسيره عن ابن إسحاق قال: اجتمعت قبائل من قريش في دار عبد الله بن جدعان لشرفه ونسبه، فتعاقدوا، وتعاهدوا على ألا يجدوا بمكة مظلوما من أهلها أو غيرهم إلا قاموا معه، حتى ترد عليه مظلمته، فسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول، وهو الذي قال به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو ادعي به في الإسلام لأجبت". والحكمة في ذلك أن الشرع جاء بالانتصار من الظالم، وأخذ الحق منه، وإيصاله إلى المظلوم، وأوجب ذلك بأصل الشريعة إيجابا عاما على من قدر من المكلفين، وجعل لهم السبيل على الظالمين، فقال تعالى: {إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم} وفي الصحيح: "انصر أخاك ظالما أو مظلوما. قالوا: يا رسول الله، هذا ننصره مظلوما، فكيف ننصره ظالما؟ قال: تأخذ على يديه" في رواية: تمنعه من الظلم؛ فإن ذلك نصره" قوله عليه السلام: "إن الناس إذا رأوا الظالم ولم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده".
قال ابن إسحاق: تحامل الوليد بن عتبة على الحسين بن علي في مال له - لسلطان الوليد (استقوى عليه بسلطانه): فإنه كان أميرا على المدينة - فقال له الحسين: أحلف بالله لتنصفني من حقي أو لآخذن بسيفي ثم لأقومن في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم لأدعون بحلف الفضول. قال عبد الله بن الزبير: وأنا أحلف بالله لئن دعاني لأخذن بسيفي ثم لأقومن معه حتى ينتصف من حقه، أو نموت جميعا. وبلغت المسور بن مخرمة فقال مثل ذلك، وبلغت عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله التيمي فقال مثل ذلك، فلما بلغ ذلك الوليد أنصفه.
قال القرطبي: قال عطاء: فلا يحل لأحد أن يعين ظالما، ولا يكتب له، ولا يصحبه، وأنه إن فعل شيئا من ذلك فقد صار معينا للظالمين. وفي الحديث: "ينادي مناد يوم القيامة أين الظلمة وأشباه الظلمة وأعوان الظلمة حتى من لاق لهم دواة أو برى لهم قلما فيجمعون في تابوت من حديد فيرمى به في جهنم" ويروى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:
"من مشى مع مظلوم ليعينه على مظلمته ثبت الله قميه على الصراط يوم القيامة يوم تزل فيه الأقدام، ومن مشى مع ظالم ليعينه على ظلمه أزل الله قدميه على الصراط يوم تدحض فيه الأقدام" وفي الحديث"من مشى مع ظالم فقد أجرم" فالمشي مع الظالم لا يكون جرما إلا إذا مشى معه ليعينه لأنه ارتكب نهي الله تعالى في قوله سبحانه تعالى: {ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} (2) سورة المائدة.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد