لا يخفى على المتابع للسياسة اليمنية المعتمدة على (العشوائية) و(التصنيف) و(اللامبالاة) بالشعب أن صناع هذه السياسة أصبحوا لا يستطيعون مفارقة الكذب والابتعاد عن الخداع، بل حتى وصل الأمر بهم إلى العبث بمصير الشعب لأجل (كرسي) طالما حلم القاعد عليه بتوريثه لولده، إن لم يكن حلمه أن يُخلد على هذا الكرسي وأن يدفن عند موته عليه!
وقد عاش الشعب اليمني فصولاً مريرة من عدة نواحي، وخاصة في الجانب الاقتصادي، حيث عانى الأمرين، فقد كانت سياسة العقاب الجماعي التي طبقها بقايا النظام والعائلة على أبناء الشعب هي التي عذبت أبناء الشعب، أرقت مضاجعهم، ولكن في المقابل رغم كل هذا إلا أن جموع الناس عاشت أياماً وشهوراً (خالدة) حيث ذاق الجميع فيها ولأول مرة طعم الحرية، وتنسموا عبيرها، وعرفوا ما معنى الوطن، وما معنى الولاء له، والتضحية في سبيله، ورأى الجميع بشارات اليمن الجديد، اليمن القادم الذي يحمل الخير والبشر والفرح والعزة والكرامة والحرية والإباء لكل يمني، اليمن الذي جعلنا نفاخر بوطننا في سبيل من كان، الوطن الذي جعلنا نردد: إرفع رأسك فوق أنت يمني، بعد أن كنا نطأطئه على الحدود وفي أبواب السفارات!.
ولكن، بات هناك أخطار تحدق بهذا الوطن القادم، حيث يعرف المتابع لسياسة علي صالح أن الرجل يحاول وبكل ما أوتي من قوة إدخال البلد في دوامة العنف والحرب، وهو غير آبه بمصير الملايين، وغير آبه حتى بمصيره هو، ولا يعي أن من يلعب بالنار تحرق (أصابيعه)، ولا يعي أنصاره أن (من جاور الكير يحرق)، فكلما مر الوقت والأحابيل الإبليسية تنشر خيوطها أكثر لتحاول الإيقاع بالوطن أجمع في المصيدة (الصالحية) التي يدعي صاحبها أنه بنى هذا الوطن (طوبة طوبة) وأنه سيعيدها كما كان، وهو لا يأخذ بعبرة من سبقوه، وآخرهم صاحب (زنجة زنجة)!.
وما سمعه العالم أجمع من خطاب صالح مؤخراً والذي قال فيه إنه سيتخلى عن السلطة قريباً وفي الأيام القادمة لهو الكلام الذي يسبق الحرب – لا قدر الله - ، فرغم أن البعض ينخدع بكلام صالح وهؤلاء هم الأميون أو من لا يعرفون صالح وطباعه المتقلبة، إلا أن الغالبية قد أصبحوا يعرفون مماطلاته وألاعيبه، بما في ذلك المجتمع الدولي ودول الجوار، فرغم كل التطورات ورغم الضغط الذي يلاقيه صالح وإن بشكل خفي وليس قوياً بما فيه الكفاية إلا أن الرجل لا يرى مستقبل اليمن إلا في الحرب، فهو يصر على هذا الخيار، بل وربما يقدم ثمناً كبيراً في سبيل تدمير هذا الوطن، وهكذا هي عقليات المستبدين والطغاة، فهم يفسدون في الأرض ولا يصلحون!.
أما الدليل الأكبر على أن صالح يعد لحرب ومن خلال خطابه الأخير فهو رفضه نقل السلطة للمعارضة، وقوله إنه سينقل السلطة إلى من يثق فيهم، وإلى من يحرصون على مصالح الوطن، وأوضح ذلك بقوله (سواء كانوا مدنيين أو عسكريين)، والمعروف أن صالح لا يثق في أحد إلا (زبانيته) و(عبيده)، فخالف صالح بكلامه هذا نص المبادرة الخليجية التي تقول كلاماً بعيداً عما قاله صالح، ولعل في إشارته إلى نقل السلطة إلى مدنيين وعسكريين (الشر المستطير)، فربما يكون هؤلاء الذين يثق فيهم علي صالح هم خليط فعلي من المدنيين والعسكريين، ولكنهم ممن يسجدون على تربة القصر ويركعون أمام فخامته، وربما يكون ذلك عبر تدبير عملية انقلابية أو حتى التضحية بكثير من أركان النظام السابق لإدخال البلد في دائرة مفرغة لا يعرف أحد أين بدايتها من نهايتها، مما يمهد لاستلام مجموعة من (الأزلام) للنظام والسلطة. إلى جانب آخرين منتقين بعناية فائقة، فلا يمكن أن يضع صالح ثقته في شريف أو وطني، فذاك يعد انقلاباً على مبادئه التي سار عليها طيلة فترة حكمه، ولا يمكن أن يضع تلك الثقة في من يسعى للسلام، فـ(شيطان) الحرب يحرك صالحاً، أو بالأصح أن صالح هو من يحرك الشيطان.
ولكن، هل سأل صالح نفسه، أو هل تجرأ أحد ما وقال له: لماذا تصر على الحرب، ثم ما هي الفوائد التي ستجنيها إن دمرت هذا الوطن، ليس هناك جائزة (نوبل) للدمار لتسعى للحصول عليها، ولو كانت موجودة فإن من المؤكد أنها كانت ستمنح لك، ومن قبل مدة طويلة، فمن يرى اليمن يظن أنه لا يزال يعيش في القرون الأولى، فصالح لم يمنح هذا الوطن أي فرصة للتنفس والتقدم والتطور، فقط كان يباهي بهذا الوطن أنه وطن الإرهاب، ووطن المتشددين، ووطن القاعدة، ووطن الغلاة الشيعيين، ووطن المتشددين السلفيين، وذلك استغلالاً للخوف الخارجي وجلباً لمليارات الدولارات التي ذهبت إلى الخزينة (الخاصة) بصالح، متناسياً أن هذا هو وطن الإيمان والحكمة وأرض المدد والنصرة، وطن السلام، وطن الأخوة، وطن التسامح، وطن الشباب الحر، وطن أبناء الجنوب وأبناء الشمال، أولا يعرف صالح أن (توكل كرمان) هي بنت هذا الوطن الذي باتت سمعته في القمة بفضلها، أولا يعرف أن هذا الوطن فيه شباب حر، مثقف، وواعي، وبالتأكيد هناك من هو أفضل منه، أولا يعرف أن في هذا الوطن يوجد رجال كانوا في يوم ما في صفه، ولكن عندما تبين لهم الخيط الأبيض من الخيط الأسود سرعان ما انحازوا إلى صف شعبهم ووطنهم وأمتهم، أولا يعي أن هذا الوطن هو وطن شرفاء المؤتمر ووطن الإصلاح والاشتراكي والحوثي والبعثي والناصري والقومي والحراكي، وطن الكبير والصغير، وطن الرجل والمرأة، وطن الأبيض والأسود...الخ، باختصار هذا الوطن يتسع للكثير، ويقبل الكثير، ولكن للكثير من الشرفاء، أما الفاسدين فإنهم يضيق بأحدهم.
- همسة: مبارك لـ(نوبل) جائزة (توكل):
جاء خبر إعلان فوز (بلقيس اليمن) توكل كرمان بجائزة نوبل للسلام برداً وسلاماً على كل يمني وعربي ومسلم وحر في العالم أجمع، فأن تعترف أرقى جائزة عالمية بروعة توكل والثورة اليمنية ككل فهذا إنجاز كبير، وفي المقابل نزل هذا الخبر كالصاعقة على بقايا النظام والتي لم تملك إلا ركوب الموجة وتهنئة توكل رغم كل (إفكها) عنها وعن الثورة السلمية الرائعة، ونحن نقول: ليكن الفخر لـ(نوبل) بأنها حصلت على جائزة (توكل)، ويجب أن تُحال جميع التهاني إلى السويد، فهناك من يُفترض أنهم يهنئون بفوزهم (بتوكل) واسمها الرائع وشعبها العظيم، وأنا على يقين أن كل يمنية حرة هي مشروع (توكل) جديدة، وقد أثبتن ذلك، وصنعن المستحيل، وعلى أعين الحاسدين!.
Tarekal.banna@yahoo.com