;
د. محمد عبدالله الحاوري
د. محمد عبدالله الحاوري

ثورة الشباب: الإيجابية الفاعلة 2178

2011-10-12 04:57:50


إن ثورة الشباب الشعبية السلمية قدمت أنموذجاً إيجابياً نقف أمامه بإجلال وتقدير واحترام، فقد استطاعت هذه الثورة المباركة أن تعيد للحياة ألقها، وللقيم مكانها، وللمواطن احترامه، وأدرك الإنسان اليمني أن حقه في الحكم مكفول بالدستور، وأنه حق له في الشرع والعرف والقانون، وبذلك فإن هذه الثورة هي ثورة الإيجابية والتغيير بحق، فإيجابية الشباب صنعت التغيير الذي تريده اليمن، وتسعى إليه في ثوراتها كلها سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر، إن الإيجابية هي نفخة الروح التي نفختها هذه الثورة في جسد الشعب اليمني العظيم.
إن الإيجابية هي الفعل الخير، والعمل الصالح، فبالإيجابية تعمر الحياة في مجالاتها المختلفة، ومستوياتها المتعددة، وجوانبها العديدة، فالإيجابية في جانب القلب صفاءٌ في الفؤاد، وتدفقٌ خيّـرٌ في الوجدان، وصدقٌ في المشاعر، وشفافية في الشعور، إنها حب للمسلمين واهتمام بهم، وخوف عليهم، قال رسول الله:"مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" رواه مسلم.
 والإيجابية في جانب المقال قولٌ سديد في اللسان، وقول حسن في معانيه ومبانيه، قول معروف، ولفظ كريم، وتعبير أنيق، يحتوي البر والرحمة ونشر الحياة، ويشتمل معاني الألفة والصفاء، يبني ولا يهدم، ويؤلف ولا يفرق. وينشر السلام ولا ينشر الهلاك، ويقابل التحدي بالتسامح، فكلماته قائمة على الحق، فالإيجابية التزام بالصدق، وابتعاد عن الكذب، قال رسول الله:"ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم، ولا ينظر إليهم، ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذاب، وعائل (فقير) مستكبر" رواه مسلم.
إن الكذب عار في الدنيا والآخرة، وجريمة أخلاقية وشرعية في الدنيا والآخرة، والناس رجل يتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وآخر يتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا، إنه العار كله حين يكتب أحد من الناس عند الله كذابا، قال رسول الله:"عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب، ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا" رواه مسلم.

إن الأذية باللسان شديدة، قال رسول الله:"المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" متفق عليه، فهل يسمع الإعلاميون هذه الأحاديث أم أنهم مشغولون عنها بتدبيج الكذب، وقول الزور، وشهادة الزور، ويأكلون المال الحرام، جاء في الحديث "إن الدم يسفك بغير حقه، والمال يعطى على الكذب".
إن الدم اليوم يسفك بغير حقه، وتزهق الأرواح بلا مبرر، وقد ابتليت اليمن بمن يقتل ويطلق النار، وهو لا يدري فيما قتل، وهذه دماء الشهداء تضج إلى الله تعالى سله يا رب لماذا قتلني؟ إن دماء القتلى تهتف بكل ساكت، هل لديك جواب بين يدي الله عن سبب سكوتك؟ أعد الجواب فإنك مسئول، يقول لك كل مقتول: قد علمت بدمي فماذا صنعت؟
وعن المال يقول الشيخ سعيد حوى رحمه الله: إن المال يعطى على الكذب في صورة إعطائه رجلا المباحث السياسية على تقارير، قسم كبير منها كاذب، ولكتاب روايات مختلفة، وإعداد برامج إذاعية مختلفة كاذبة وأشياء كثيرة من هذا القبيل.
إن رسول الله يؤكد في أحاديثه أن في المجتمع المسلم أناس تشرب قلوبهم الكذب وهم يعلمون بأنه كذب وقائله كاذب وهذا ما نراه اليوم تسأله هل القنوات الرسمية تكذب؟ فيجيبك نعم. فإذن لماذا تصدقها؟ ولماذا تشاهدها؟ لماذا تجعل قلبك بئرا للنجاسات من كذب النظام وأزلامه؟ يقول رسول الله ": إن بين يدي الساعة سنين خداعة، يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة.. قيل: وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه ينطق في أمر العامة" رواه الطبراني والحاكم في الكنى وابن عساكر وذكره الألباني في السلسلة الصحيحة.
والإيجابية في جانب الأفعال تكون بفعل الخيرات، واغتنام الأعمال الصالحات، وإنفاق العمر في كسب الحسنات في مختلف أنواع البر، وسائر وجوه المعروف، وتحققها الآية العظيمة قول الله تعالى في وصف المؤمنين: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} (112) سورة التوبة. وسواها من الآيات في وصف أهل الإيمان، ويأتي في عليائها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقد جعله تعالى أحد المهام الأساسية لمبعث النبي الخاتم، قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (157) سورة الأعراف.

وقد روي في بعض الآثار عن أبي أمامة عن النبي ": كيف أنتم إذا طغى نساؤكم، وفسق شبانكم، وتركتم جهادكم؟ قالوا: وإن ذلك لكائن يا رسول الله؟ قال: نعم والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون. قالوا: وما أشد منه يا رسول الله؟ قال: كيف أنتم إذا لم تأمروا بمعروف، ولم تنهوا عن منكر؟ قالوا: وكائن ذلك يا رسول الله؟ قال: نعم، والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون. قالوا: وما أشد منه؟ قال: كيف أنتم إذا رأيتم المعروف منكرا، والمنكر معروفا؟ قالوا: وكائن ذلك يا رسول الله؟ قال: نعم، والذي نفسي بيده، وأشد منه سيكون. قالوا: وما أشد منه؟ قال: كيف أنتم إذا أمرتم بالمنكر، ونهيتم عن المعروف؟ قالوا: وكائن ذلك يا رسول الله؟ قال: نعم، والذي نفسي بيده، وأشد منه سيكون. يقول الله تعالى: بِـي حلفت لأتيحن لهم فتنة يصير الحليم فيها حيران". إنه لا ينجو من هذه الفتنة إلا الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، ومن يقيمون حكم الله ويجتهدون فيه، قال رسول الله ": إذا عملت الخطيئة في الأرض، كان من شهدها فكرهها " وقال مرة " أنكرها " " كان كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها" رواه أبو داود.
إن الإيجابية في جانب الأفكار، أن تنطلق أفكار المسلم من منطلقات الهدى والنور، فيرى خيرية الأمة وكيفية تحقيقها، وتشع أفكاره بأنوار المبادئ الخالدة: التغيير الإيجابي، ومبدأ الأجر والثواب، والمسئولية الجماعية والفردية، فهذه وغيرها هي التي تقيم الحياة، وتحيي النفوس، وتعلو بها مكانة الأمة المسلمة، ويهاب جانبها، وتحوز المجد، وتتحقق معاني الوجود الإنساني المستخلف، ويظهر فيها المؤمن القوي الحريص على ما ينفعه، المستعين بالله، قال رسول الله:"المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدّر الله، وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان" رواه مسلم.
عن أبي قتادة بن ربعي الأنصاري أنه كان يحدث: أن رسول الله مر عليه بجنازة فقال: "مستريح ومستراح منه".. قالوا: يا رسول الله، ما المستريح والمستراح منه؟ قال: " العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله، والعبد الفاجر يستريح منه العباد، والبلاد، والشجر، والدواب" متفق عليه واللفظ للبخاري.
إن الفاجر تفرح بموته الكائنات، وتستريح منه الإنسانية والحيوانات والجمادات، لماذا؟ لأن بقاءه قتل للحياة والأحياء، ووجوده هلاك للحرث والنسل، وحياته موت لكل معنى جميل في الحياة، فهو القبح مصدراً ومنبعاً، ويجب تغييره لتسلم الحياة من الهلاك، وتعيش الإنسانية في ربيع عمرها، فالإيجابية هي الحياة التي تليق بالإنسان المسلم الحر، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد