قبل عقد من الزمان كنت قد سألت صديقاُ حميماً لي يشغل حينها وظيفة مرموقة قريبة من دائرة القرار؛ عن الرئيس/ علي عبدالله صالح سلباً وإيجاباً، فقال هامساً في أذني: إنه يضيق بأصحاب الشهادات العلمية وبمن يحدثه عن النظام والقانون.
أما الشيء الإيجابي فيه، فهو أنه يسمع الكل وبصدر رحب وإن كان في النهاية لا يثق بغير المتزلفين المطنبين بالمدح والثناء، فالحظوة هنا لأمثال يحيى الراعي والبركاني ومن على شاكلتهما من المسؤولين الذين جلّ معرفتهم ومؤهلهم هو ترديد (ما لها إلا أبو أحمد).
المرة الوحيدة التي رأيت فيها رئيس هذه البلاد منضبطاً وملتزماً كانت في أول مهرجان جماهيري تم تنظيمه في فبراير الماضي، وقتها قرأ الرئيس مبادرته السياسية وبشكل يدعو للرثاء والشفقة على اللغة العربية وعليه كرئيس اعتاد الفوضى والعبث والارتجال في كل خطبه وسلوكه.
باستثناء تلكم الخطبة العصماء الزاخرة بمفردات ودلالات واستحقاقات عصرية وديمقراطية وإنسانية لا صلة لها البتة بالرئيس صالح ونظامه العائلي والعصبوي المتخلف لا يوجد في حكمه الطويل ما يؤكد احترامه للنظام والمعرفة والعصر.
اليوم اسأل ما إذا كان هناك من يعتقد بأن الرئيس سيكون مختلفاً، خاصة بعد هذه الثورة الشعبية الرافضة له ولنظامه وبعد ما وقع له وطنياً ووحدوياً وديمقراطياً وأخلاقياً؟ لا أعتقد أن الرجل سيبدل سلوكه وطباعه ولمجرد نجاته من الموت، فكما هو معروف أن الطبع غلب التطبع وعلى هذا الأساس لا يمكن للإنسان أن يصير تقياً وزاهداً ومنضبطاً وبين عشية وضحاها.
فالمسألة هنا تتعلق بعوامل عدة تربوية وثقافية لا يبدو أنها متوافرة في شخص يحكم البلاد بذهنية فوضوية عبثية، خذوا مثلاً آخر خطبة للرئيس، ستجدونها ارتجالية، فوضوية، مخاتلة، مضللة، مثل سابقاتها.
لا أدري ما إذا كان الرئيس يدرك أو يعلم بأنه وخطابه صارا من الزمن القديم؟.. تصوروا الرجل يخطب كعادته فينا خلال عقوده الثلاثة، يسأل الحاضرين: ألم تأتوا طوعاً وعلى حسابكم الخاص؟.. كم هم أبنائي وأشقائي وأقربائي حتى يتحدث هؤلاء عن توريث السلطة؟ ساترك هذه السلطة خلال أيام ولكن لرجال عاهدوا الله... وووإلخ.
رئيس لا يطيق إلا الجهل والجهلاء ولا يسمع إلا للمنافقين والانتهازيين ولا يدعم ويشجع إلا الفوضويين والعابثين.. فماذا عساه فاعل الآن؟ أيترك السلطة لشعبه هكذا ولمجرد أن الناس ضاقت بجهله وبفساده وبمنافقيه؟.. رئيس مؤهله الوحيد ابتداع المشكلات وتسويقها وبشكل سافر وعبثي لا يحتمله مجتمعاً على ظهر البسيطة، رئيس أتقن الفوضى والكذب والتزوير والقتل ولدرجة أنه لم يعد بمقدوره قبول النظام والصدق والنزاهة والحياة المستقرة.
حاكم بهذه الصفات لا أعلم كيف له أن يقيم عدالة ويبني وطناً؟ فلن يغادر كرسيه حفظاً لوجهه وكرامته، فهذا الصنف من الحكام ليس لديه من المجد والشرف شيئاً يجعله يتنحى أسوة برؤساء كُثر، سيظل في الرئاسة ولن تفلح معه لا مبادرة الزياني أو مسعى جمال بن عمر، واحد بمؤهلات صالح لا ينفع معه سوى الفعل الثوري ذاته الذي أطاح بالطاغية المجنون معمر القذافي وسيسقط عما قريب بالمهووس بشار وإن بأقل كلفة ووقت بالنسبة لـ ......... صالح.
