أحببت أن ابتدئ مقالي هذا بحديث الرسول صلى الله وعليه وسلم (إني لا أخاف عليكم مؤمناً ولا مشركاً ولكني أخاف عليكم كل عليم اللسان منافق الجنان يقول ما تعرفون ويفعل ما تنكرون) وسيتضح معنى هذا الحديث من خلال تصفح هذا المقال، فقد ظلت الشعوب العربية تعيش ولعقود من الزمن تحت وطأة أنظمتها الاستبدادية القمعية. فلا حرية في القول ولا في الصحافة ولا مواطنة متساوية في شتى مجالات الحياة سياسياً أو اقتصادياً أو ثقافياً أو اجتماعياً ولا حتى بالوظيفة العامة.
ورغم اختلاف الأنظمة العربية في دساتيرها فهذا النظام يجيز التعددية السياسية كالنظام اليمني والمصري وذاك لايجيزها كالنظام التونسي والسوري والليبي. ولكن لا فرق بين هذا النظام أو ذاك. فكلها أنظمة دكتاتورية مستبدة، فالأنظمة العربية وان كانت في شكلها جمهورية لكنها ملكية في زمن الجمهوريات وعليك كمواطن عربي أن تكون كما شاء النظام والويل لك إن خالفت ذلك ستكون من تنظيم القاعدة وقاطعاً للطريق وتتبع جماعة مسلحة وتسعى إلى قلب النظام. كما انه ليس من حق الشعوب العربية أن تدعو إلى محاسبة الفاسدين أو انتخابات حرة ونزيهة أو إلى تعددية سياسية أو إلى إصلاحات اقتصادية أو سياسية وان فعلت ذلك، فان الأنظمة الحاكمة ستتهمك بالعمالة لأجندة خارجية تسعى إلى قلب النظام وزعزعت الاستقرار وإقلاق السكينة والأمن. ولكي تكون وطنياً ومقبولا لدى الحاكم فعليك أن تعيش مكمماً فاهك ومكتماً أنفاسك تعيش غريباً في وطنك ومطارداً في مواطن الغرباء ولعل القارئ الكريم سيقول إن الأنظمة العربية اليوم تدعو إلى الحوار مع شعوبها ومع الثوار ومع معارضة الداخل والخارج كما هو الحال في سوريا واليمن. فسيكون الرد ذو شقين الأول: إن الشعوب قد جربت دعوات الحكام نحو الإصلاحات وكانت النتيجة كذب الحكام مراراً وتكراراً ومن العيب كل العيب أن تعيد الشعوب تجربة المجرب فذلك مخالف لشريعة الإسلام وللعقل والمنطق فالرسول صلى الله وعليه وسلم يقول (لايلدغ المؤمن من جحر مرتين) والمثل العربي يقول: (لا يجرب المجرب إلا صاحب العقل المخرب) أما الشق الثاني فسيكون الرد عليه بالقول هذا صحيح أي ما دعت إليه الأنظمة الحاكمة ولكن لم يعد له أي معنى او قبول بعد اندلاع الثورات العربية وخروج الشباب إلى الساحات والميادين للمطالبة برحيل الرؤساء المستبدين لان أي دعوة للحوار اليوم لم تعد مجدية، فقد فات أوانها لاسيما بعد أن أشرقت على الشعوب العربية شمس الحرية في ديسمبر 2010م من تونس والتي أزالت أشعتها عفن الأنظمة المستبدة وبددت غياهيب الظلام الدامس وصارت سحب الحرية تجتاح الوطن العربي من المحيط وحتى الخليج العربي لا تفرق بين نظام جمهوري أو ملكي، فالشعوب العربية اليوم لا تملك سوى قراراً واحداً وطلباً منفرداً وهو الرحيل عبرالثورات الشعبية السلمية وسواءً عرفت الأنظمة على نفسها ورحلت مبكرة من على سدة الحكم أمثال النظامين التونسي والمصري، أم النظامين أمثال اليمني والسوري فسيكون نهايتها الرحيل كما رحل النظام الليبي، فقد دعا حسني مبارك الأحزاب السياسية إلى الحوار كما دعا إلى إصلاحات في الحكم وتعهد لشعبه بان لا تمديد ولا تأبيد ولا توريث ومع ذلك فلم يستجب له الشعب المصري واجبره على الرحيل وقد سبقه بن علي ورحل. فهل سيتعظ صالح والأسد بأسلافهما. وإذا كان القمع لم يثن الشعوب التونسية والمصرية والليبية عن التحرر من الاستبداد ورحيل أنظمتها الفاسده فانه كذلك لن يثن الشعبين اليمني والسوري من مواصلة ثورتيهما ضد صالح والأسد حتى النصر مهما كانت التضحية مع الحفاظ على السلمية ذلك ما يردده الثوار اليمنيون والسوريون ولن يكلوا أو يملوا من طول المدة، فعلى الرغم من دخول الثورة اليمنية في شهرها الثامن والسورية في شهرها السابع إلا أن الشعبين يحشدان الملايين في الجمع المتتالية، ففي الوقت الذي كان النظامان الفاسدان يظنان تراجع الحشود المؤيدة للثورتين بسبب المماطلة في الرحيل، فقد تفاجأ النظامان وتفاجأ العالم أجمع بزيادة الحشود المليونية على الجموع السابقة رغم الإبادة الجماعية لهذه الشعوب والقمع المستمر وكأن هذه الحشود العظيمة تعطي رسالة واضحة للعالم بان أحفاد صلاح الدين الأيوبي وخالد بن الوليد وأبي العلا المعري وأبي الطيب المتنبي في بلاد الشام وأيضا أحفاد أبي موسى الأشعري ومعاذ بن جبل والشهيد الزبيري في اليمن مستمرين في طريقهم إلى الحسم الثوري القريب بإذن الله تعالى وان خياري النظامين الفاسدين بين الحوار أو القمع لم يعد لهما أرضية أو مكان في الشام أو اليمن لاسيما وان الشهيد الزبيري قد خاطب المستبدين عبر التاريخ في قصيدته الشهيرة بعنوان (الكارثة) وقد جادت بها قريحته في وقت كان يراد للحريات أن تدمر باسم القانون والدستور، فكان صوته صوت الشعب الذي يرفض الظلم والقوانين الملفقة وهي لغة الأمة في أي وقت يراد به التزوير والتظليل والاستبداد تحت مسميات الشرعية الدستورية، ما أشبـه الليلـة الشنعـاء ببارحـة مرت وأشنع مـن يهـوى وينتكـس كأن وجـه الدجـى مِـرآة كارثـة يرتد فيهـا لنـا الماضـي وينعكـس،
كفى خداعاً فعين الشعـب صاخبـة والناس قد سئموا الرؤيا وقد يئسـوا
هموا الأولى غرسوكم محنةً وأذى ياليتــهم أَخَذوا للجرفِ ماغرســوا.
لِمَ القوانيين؟ فن الموت فـي يدكـم والحقـد رائدكـم والحـق مرتكـس وانـتـمُ طبـعـة للظـلـم ثانـيـة تداركت كل ماقـد أهملـوا ونسـوا من حظكم أن هول الأمـس مستتـر عنكم وأن شعاع الشمـس منطمـس والحكم بالغصـب رجعـي نقاومـه حتى ولـو لبـس الحكـام مالبسـوا يلفقـون قوانـيـن العبـيـد لـنـا ونحن شعـب أبـي مـارد شـرس.
anomanlawyer1@gmail.com
أحمد محمد نعمان
الأنظمة العربية بين حوار الشعوب وقمعها 2655