ذهبت مرات عدة إلى حديقة الحيوانات مثل كل الناس للنزهة والتأمل في مخلوقات الله العجيبة، لكني لم أكن أشعر بالسعادة أو الراحة وأنا أتفرج على تلك الحيوانات والطيور وهي محبوسة خلف قضبان حديدية، بمساحات صغيرة وضيقة، ومهما تكن مساحتها وأشكالها، فهي في النهاية زنازين خانقة لمخلوقات ميزها الله بحب الحرية وخلقها لتحيا في أرضه الواسعة بين الجبال والسهول وفي الوديان والغابات بمساحات لا حدود لها وعلى أرض ليس لها حارس إلا هو سبحانه، فلما نأتي نحن ونقيدها ونحبس حريتها ونجبرها على حياة لم تخلق لها ولو قدر لها أن تنطق وتختار لصاحت بأعلى صوت أطلقوا سراحي واتركوني لوجه الله.
في الحقيقة كنت أتألم وأنا انظر في عيني الأسد ذلك الحيوان القوي وهو يزأر بصوت يدوي في أرجاء المكان وكأنه يود لو استطاع أن يكسر تلك الأعمدة ويقفز خلف الأسوار، وينطلق مسرعاً نحو فضاء واسع, وتلك الطيور الجميلة تغرد بصوت حزين، تحاول أن تستعمل جناحيها اللذان منحها إياها المولى عز وجل، لتحلق بهما عالياً في سماء واسعة بلا حدود، لكن دون جدوى تستسلم حيناً وتعاود الكرة من جديد، ثم تراها تسرح بنظرها إلى البعيد بحزن عميق.
نسور وصقور كبيرة الحجم وذات منظر رهيب، يوحي بالقوة والشموخ، لكنها للأسف كلما حاولت رفع أجنحتها لتبدو أكثر هيبة ولتستمتع بما منحها الله من قوة وقدرة على الطيران والتجول في سماء رحبة، حيث لا حدود ولا قيود ارتطمت أجنحتها بجدران تلك الأقفاص الغبية التي صنعها الإنسان بخبث وغباء ليحبس فيها مخلوقات وجدت لتحيا بطريقة مختلفة عن حياتنا المعقدة، فحياتها سهلة بسيطة وهي تحب أن تركض وتقفز وتطير دون قوانين أو حدود أو موانع ظالمة من صنع بني البشر، يحبسونها فقط ليستمتعوا بمنظرها ويشبعوا رغباتهم التي لا تنتهي ولا تقف عند حد وإذا ما فكر حيوان منهم بالهرب بعيداً لاحقوه وأعادوه إلى سجنه حياً أو ميتاً.
ليس هناك أبشع من أن تشعر انك هناك من يمتلك زمام التصرف بحياتك كيف يشاء وانك برغم ماتملك من قدرات حسية وفكرية منحك إياها ربك الرحيم إلا انك عاجز عن إخراجها إلى النور فيمضي بك العمر وهي محبوسة وتبقى مجرد أحلام وأمنيات تسكن مخيلتك.
هي القصة ذاتها تحدث مع الإنسان والسلطان، فالأول يحب الحياة بحرية وكرامة كما أراد له ربه وميزه بفطرة قويمة لا تستسيغ الذل والمهانة.. والثاني يريد أن يكون الناس تحت رحمته يمضون بإمرته ويحيون حسب مصلحته وأهوائه وحين يحاولون الخروج من قفص الظلم يكون لهم بالمرصاد، فإما أن يعودا مذعنين إلى سجنه أو يكون الموت هو مصيرهم
خلصتٌ في نهاية الأمر إلى أن كل منا يمارس الظلم بشكل أو بآخر، وكل منا يحب أن يكون من حوله أو من يملك السلطة عليهم تحت إمرته ورهن تصرفه، ربما ليشعر أنه السيد وأن الجميع ملك له.
كلنا يمارس التسلط بقصد أو بدون، رغم أننا جميعاً نحب الحرية ونكره القيود وكلنا يتمنى أن يعيش كما يحب لاكما يريد له الآخرون، فمتى نتحرر من ظلم أنفسنا لأنفسنا أولاً، ثم نتعامل بإنسانيه مع كل من حولنا ومع كل مخلوقات الله متى نفهم إن الحرية هي أن تدع الكل يعبر عن رغبته ومشاعره وأحلامه دون قيود أو شرط وان تترك دائماً مساحة لمن حولك ليتحركوا فيها كما تملي لهم قدراتهم وأمانيهم.
أخبرنا أستاذي يوماً عن شيء يدعى الحرية
فسألت الأستاذ بلطف أن يتكلم بالعربية
ما الحرية ؟!
هل هي مصطلح يوناني عن بعض الحقب الزمنية ؟!
أم أشياء نستوردها أو مصنوعات وطنية؟!
فأجاب معلمنا حزناً وانساب الدمع بعفوية
قد أنسوكم كل التاريخ وكل القيم العلوية
أسفي أن تخرج أجيال لا تفهم معنى الحرية
لا تملك سيفاً أو قلماً، لا تحمل فكراً وهوية"
"أحمد مطر"