هناك سؤال لم أجد له إجابة، عن ماهية، أو سلالة، إعلام النظام في اليمن.. هل يمكن تعريفه بأنه «إعلام مضاد»، أم «مضاد حيوي» لرأس النظام من الحملات الإعلامية للثورة؟.
لا اعتقد أن التعريفين صائبين، الإعلام الذي يقف على رأسه شخص اسمه عبده الجندي, هو مجرد "هوشلية".
(1)
بنفس الطريقة التي جند فيها النظام أمراء حرب, مهمتهم قصف الأحياء السكنية ليلا, بغرض ترويع الناس, قام بتجنيد أمراء حرب نفسية, ومن الغريب, أن الفصيلين, يتشابهان بـ"القصف العشوائي".
طيلة الأشهر الفائتة من عمر الثورة الشعبية, كان إعلام النظام حرباوي بدرجة مذهلة, وشاهدنا من ألوانه ما لم نتوقع.
في البداية, تذكّروا أن هناك قانوناً, وقالوا إن المظاهرات السلمية «غير مرخصة»، جربوا الكذب, وزعموا أن «أفارقة» يتم استئجارهم لزيادة أعداد المتظاهرين، استخدموا الورقة الدينية والأخلاقية, قذف وتشهير بالمتظاهرات «المختلطات»,وأخفقوا.
في المرحلة الثانية من إعلام«الهوشلية», كان على النظام أن يقصم ظهر الثورة خارجياً، «مضاد حيوي» جديد ابتكره فريق التضليل, يهدف لإخافة الخارج, برمي كل التهم إلى «الإخوان المسلمين», كمسمى جديد لحزب الإصلاح, الذي لا ينكر أعضاؤه بأنهم "إخوان مسلمين", ويرحبون بتهمة كهذه.
يعتقد النظام أن مسمى الإخوان المسلمين, سيبث الذعر في نفوس الغرب من تقدم جيل متطرف وقاعدي لا يمكنهم التعامل معهم, ويجعل الدول الكبرى تتمسك بنظام صالح "الشيوعي" أكثر, حتى أن كثيراً من بيانات المصادر الأمنية, كانت تتهم «عناصر المشترك والإخوان المسلمين والإصلاح», في خطاب مضحك, قسمهم في «أكياس», رغم أن جميعهم تحت مظلة واحدة, وكأنه لم يسمع بخطابات البيت الأبيض الموجهة لإخوان مصر عقب الثورة.
(2)
عاد النظام لإخافة الداخل من ثور, ستقوم بسرقتهم, وسلب منازلهم،«مليشيات» كان هو المضاد الحيوي الثالث, بإمكانه بث الذعر في نفوس كثير من الناس البسطاء, ويجعلهم يتخلون عن فكرة التغيير إلى الأسوأ.
في هذه الجبهة كان اللواء/ عبده الجندي, أمير حرب إرهابية غير مسبوقة، يستخف كثيراً من الناس بمؤتمراته الصحفية, غير مدركين أن الرجل يدك جبهة الثورة في الأرياف, و"مخيمات الصامتين".
لا يؤثر خطاب الجندي في المثقفين, يثقون أنه مجرد «مهرج», لكن علينا الاعتراف أن الرجل, يسحب كثيراً من غير المتعلمين, الذين لا تتوفر لديهم مهارات التحليل السياسي لخطاب مسموم.
"أنا إلا مسكين", عبارة تجعل من الجندي مجرد أبله في نظري, ومستظرف في وقت غير مناسب, وأمام ميكرفونات فضائيات خارجية يفترض أن يظهر أمامها كمسئول وقور, لكنها حقنة مخدرة, بالنسبة للمواطن الريفي البسيط، في نظرهم الجندي لا يكذب, «والله إنه مسكين يرحم الله زي ما قال», وكل ما يقوله من جثث جاهزة, ولصوص, والقنابل التي تنفجر في «حوش» منزله كل يومين أشياء لا يمكن التشكيك بها.
على إعلام الثورة, إدراك خطورة سم اسمه الجندي, وألا يتعامل مع خطابه بتعالٍ فقط, فكل حرف يقوله الرجل في مؤتمراته الهوشلية يجب الرد عليها, بإرسال خطاب طمأنينة لكل أفراد الشعب, تكشف لهم بالحقائق, وأن كل ما سرد من قبله مجرد تضليل, وإرهاب فكري.
الجندي لا يعقد مؤتمرات صحفية لوسائل الإعلام الخارجية، هذا ما يجب أن نفهمه، وسائل الإعلام لا تحضر, وإن حضرت ما الذي ستخرج به من رجل آلي, يمكث طيلة ساعات وهو يحكي «حزاوي», «قلَّي, وقلتله», أو كما وصفته أروى عثمان, بأنه مجرد «منسع», ويفترض ألا يزعل الصحفيين من «النسيعات» التي يقولها, و"المنسع» باللهجة التعزية, الذي يقول كلاماً لا معنى له, أو «كلام عجائز".
نعم هو «كلام عجائز», لكنه يجد قبولاً كبيراً لدى شريحة تشبهه, ومن الواجب عدم ترك المجال له يمرح في مربع خطير بمفرده, والتعامل معه كـ"منسع", بل الانتباه, ومسح كل شحنات الخوف التي يبثها العقرب في جسد الثورة.
(3)
لم أكن أتوقع, أن «هوشلية» إعلام النظام ستصل مرحلة, يتحول فيها إلى «ببغاء», مطروح في قفص السبعين.
الثوار في ساحة التغيير «يعطسون», وإعلام «الحجة بالحجة», يعطس مثلهم.
للأمانة أشفقت عليهم وأنا أقرأ أخبارهم التي تصف المتظاهرين الذين خرجوا إلى الزبيري وكنتاكي بـ"بقايا المتظاهرين"، بقايا هذه اختراع علمي باهر, ومؤكداً أن الرئيس سيكرم مخترعه بوسام البلاهة.
وصف شباب الثورة, من تبقى في النظام, بعد الاستقالات الواسعة والانهيارات المتوالية, بـ"بقايا النظام», فرد الدرع الروسي الدفاعي بـ"بقايا المعتصمين وبقايا المتظاهرين وبقايا أولاد الأحمر".
نعم.. المتظاهرون هم "بقايا" لآلاف الشباب الذي قنصهم بلاطجتكم واخترقت قلوبهم شظايا قذائف جبانة, ثم إن الثورة, حتى وإن كانت «هيكل عظمي», ففي الأخير هي ثورة, وتقارع نظاماً ديكتاتورياً قمعياً, كاتم على الأنفاس بدباباته فقط, وليس ببقاياه.
(4)
"الرصاصة التي لا تصيب تدوّش"، هذا ما يجب التسلح به في مواجهة الهوشلية المخيفة لخطاب إعلامي, يحارب بسلاح أمني, استخباري, تضليلي, ديني, ويمتلك كل من الممثلين, ما يكفي لإنتاج مسرحيات سمجة لشهور طويلة، مسرحيات كاذبة من نوعية «نسيعات» الجندي, والمتصلات الأمهات لقناة اليمن (جميع المداخلات في القناة تأتي من أم صلاح، أم عبد الله، أم محمد، أم ماهر), ومضادات حيوية جديدة, قوة 1000, ستخترع مسمى جديداً لشباب الثورة, وربما يتم إنتاج أفلام وثائقية في مدينة الصالح للإنتاج الهوشلي, من أجل «ربش» الناس, حتى آخر نفس.
Alkamaliz@hotmail.com