بات ظاهراًَ للعيان أن دور المرأة اليمنية في الثورة الحالية كان كبيراً، وكبيراً جداً، خاصة بعد أن تجاوزت المرأة اليمنية كل الأدوار، وروت بدمائها تربة وطنها الطاهرة، فبعد أن سقطت "أسماء ونجوى" في تعز، سقطت عزيزة في تعز أيضاً، ثم مرام في صنعاء، ثم جميلة في تعز، ثم سحر في تعز والتي لم تهنأ بشهر (عسلها)، إلى غيرهن من قائمة نساء اليمن اللائي خلدن أسمائهن في (ثريا) المجد والنضال، بينما خُلدت أسماء القتلة في (ثرى) التاريخ الممزوج بطين المذلة والخزي والعار، لتأتي من بعد هذه الأسماء المواطنة اليمنية العدنية والتي سقطت في صنعاء (كفاية سعيد صالح العمودي) والتي عمدت الوحدة بين الشمال والجنوب بدمها الغالي، لتؤكد أن ثورة فبراير لا تختلف عن ثورتي سبتمبر وأكتوبر والتي تم فيهما تبادل المنفعة بين ثوار الجنوب وثوار الشمال، مما أدى إلى نجاحهما ومن ثم توحيد الشطرين المنقسمين!.
ولكن هل يستفيد أرباب هذا النظام من جريمة قتل (كفاية)؟ هل يسمعون صرخة الفتاة ذات الثمانية والعشرين عاماً التي سمعتها أرجاء اليمن بأكمله؟ هل يتوقف نزيف الدم اليمني بكل مكوناته، من رجال ونساء وأطفال وشيوخ، فقد أصبح الوضع مأساوياً جداً، ووصل القائمون على ما يسمى بـ(النظام) إلى حالة إفلاس أخلاقي لا نرضاها نحن لهم، ففي الأول والأخير هم يمنيون، ويجب أن يحافظوا على سمعة اليمني بكل خصاله الحميدة والتي شاعت وتتابعت عبر التاريخ.
لقد نادتكم كفاية بقولها: كفاية، يكفيكم الأرواح التي أزهقت، والدماء التي سالت، يكفيكم جرائمكم التي ارتكبتموها في حق شعبكم السلمي والذي أذهل العالم بسلميته رغم تسليحه القوي والكبير، ارحلوا يا أرباب الطغيان، ويا صُناع الفساد، ويا قادة الخنوع، ارحلوا أيها المتكبرون على الله وعلى عباده، ارحلوا فقد بلغ السيل الزبا، وبلغت القلوب الحناجر، وبدأنا نظن في سلميتنا الظنونا في ظل همجيتكم ووحشيتكم وبربريتكم التي فاقت كل التوقعات، ارحلوا فحجم الدمار أصبح كبيراً، وكذلك حجم الحقد عليكم غدا في كل قلب سواء يمنياً أو حتى عربياً أو غربياً، فالجميع قد وعى أخيراً مراوغاتكم وألاعيبكم.
ارحلوا فقد بلغ السـأم والملل منكم حداً لا يطاق، خاصة بعد جرائم (عاركم الأسود) باستهداف النساء قبل الرجال، والأطفال قبل الكبار!.
ولكن ما يحز في النفس أن كثيراً من أبناء هذا الشعب كانوا في يومٍ ما يهتفون: بالروح بالدم نفديك يا علي، والآن هاهو الرجل الذي كانوا يهتفون باسمه يذيقهم صنوف العنف وألوان العذاب، هاهو يسلب منهم أرواحهم ويمتص منهم دماءهم، فما الذي ارتكبه الشعب لينكل به بهذه الطريقة التي أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها (بشعة)، هل هذا هو جزاء السكوت عنكم لأكثر من ثلاثة عقود من الزمن أصبحت اليمن فيها ضمن قائمة الدول (المنتهية الصلاحية)، وتصدر فيها اسم اليمن دائماً في كل مفردات التخلف والفقر والجهل والمرض...الخ، أم أن هذا هو جزاء الصمت عن بيعكم لأراضي اليمن لكل من هب ودب، أم أن هذا هو جزاء الهتافات والتصفيقات التي كانت تسبقك أينما حللت وارتحلت يا بشير الخير؟!
لقد حان وقت العودة إلى العقل وتحكيم الضمير، فقد أصبح الشعب على شفا جرفٍ هار، وأصبح الوطن على عتبة النفق المظلم الذي بمجرد دخوله سيكون من الصعب وربما من المستحيل الخروج منه إلا بتضحيات كبيرة وبأثمان باهضة، يجب على الشرفاء الصامتين أن يخرجوا عن صمتهم، فالصامت في هذه الظروف كمن يشرع للمجرم جرائمه التي يرتكبها في حق شعبه، إن وطننا لا يحتمل الكثير، والوضع بمرور الأيام والساعات والدقائق والثواني يزداد توتراً، و(القنبلة الموقوتة) تكاد أن تنفجر، فإذا انفجرت فإن الجميع سيتضرر، ولن يكون هناك مستفيد أبداً سوى أعداء اليمن، فالواجب علينا أن نفوت هذه الفرصة عليهم، وأن نتمسك بالحكمة اليمانية التي اشتهرنا بها.
اليمن أمانة في أعناقكم أيها اليمنيين فلا تضيعوها، لا تضيعوها بصمتكم، لا تضيعوها بتقاعسكم عن قول كلمة الحق، لا تضيعوها بعدم تفاعلكم مع قضيتكم، لا تضيعوها باستسهالكم لما يحصل فيها، لا تضيعوها بمهادنتكم للظلمة والمفسدين، وبسكوتكم عن جرائمهم، ويا رجال اليمن، ألم تستثركم نخوة (المقارم) التي قامت النساء بإحراقها؟ ألم تستثركم (العيوب السوداء) التي يكررها بلاطجة النظام من كبيرهم لصغيرهم في حق نساء اليمن الأبيات؟ ولكن عزاءي في كل هذا أن الثورة أزاحت الستار عن الصورة النمطية المرسومة في الأذهان عن نساء اليمن، أظهرت للعالم كم هن نساء اليمن متقدمات، متعلمات، حضاريات، واعيات، أبيَّات، رافضات للظلم وثائرات ضده، أظهرت للعالم أن خروج (توكل كرمان) وفوزها بجائزة نوبل لم يكن بالصدفة ولا بدعاء الوالدين ولا بمرور ليلة القدر عليها، وإنما أغلبية نساء اليمن هنَّ مشاريع لـ(توكل) أخرى، وكل واحدة لديها أهدافها وطريقتها في تحقيق الأهداف، وما يهم هو أن يتحقق الهدف المنشود، وقد كنا نقول سابقاً (أن النساء يشاركن في صنع الثورة بجانب الرجال) وللأمانة أقولها (أن الرجال يشاركون في صنع الثورة إلى جانب النساء) فما قامت به نساء اليمن أذهل العالم قبل أن يذهل أبناء اليمن نفسها، خاصة مع الطبيعة المختلفة للجنسين، وخاصة بعد أن شاركت النساء حتى في تقديم الدم والروح، بجانب جهودها الأخرى، ولا ننسى أن النساء هي من تصنع الرجال، وخلف كل ثورة عظيمة نساء عظيمات، فشكراً يا حرائر اليمن، شكراً يا بنات بلقيس، بل بالأصح نقولها شكراً يا رجال اليمن، فأنتن رجال بمواقفكن العظيمة، ولا نامت أعين النساء اللاتي لا زلن في صف (الشرذمة) الحاكمة ولو كانوا ذكوراً!
tarekal.banna@yahoo.com