هناك حكمة مشهورة تقول "القناعة كنز لا يفنى"، والحقيقة أن القناعة ليست مجرد كنز فقط، بل هي ثروة تساوي كنوز الدنيا، لأن الإنسان عندما يرزق القناعة يرزق معها الاطمئنان والسكينة وراحة النفس البال والحياة الهادئة المستقرة.. يقول الإمام الشافعي:
وإذا ما كنت ذا قلب قنوع × فأنت ومالك الدنيا سواءُ
ويقول أيضاً:
رأيت القناعة رأس الغنى × فصرت بأذيالها متمسك
فلا ذا يراني على بابه × ولا ذا يراني به منهمك
فصرت غيناً بلا درهم × أمر على الناس شبه الملك
والقناعة لا تعنى أن لا يكون الإنسان طموحاً، صاحب تطلعات، فالطموح صفة ايجابية ممدوحة، لكنها تتحول إلى صفة سلبية مذمومة عندما تصبح هذه التطلعات أكبر وأعظم من قدرات الإنسان، لا يكون لها سقف محدد, فيسعى الإنسان شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالاً، متكالباً على الدنيا، حريصاً عليها، فتصبح حياته تعيسة مضطربة، تفتقر إلى التوازن والتنظيم نتيجة الفجوة الكبيرة بين طموحاته وقدراته.
والقناعة لا تعني أن يترك الإنسان العمل ويركن إلى الراحة والنوم، بل تعني أن يأخذ الإنسان بالأسباب، متوكلاً على الله، مؤقتاً أنه لم ينل إلا ما كتب له، راضياً بقضائه وقدره .
يقول الدكتور/ سمير يونس: إن الإنسان العاقل الحكيم هو الذي يستطيع أن يقول لا في الوقت المناسب ويقاوم الشهوة والأضواء والثروة والجاه والسلطان ويوازن بين ذلك كله وضروريات الحياة وواجباته التي تحقق السعادة، أما الشخص الذي لا يضع سقفاً لطموحاته وأطماعه ورغباته في هذه الدنيا، فإنه في حقيقة الأمر يستنزف عمره ويستبدل شقاءه بسعادته ويسير في عكس المسار الذي رسمه له ربه.
إن من السفاهة أن يطغى الإنسان في جمع المال وهو يعلم أنه ربما لا يعيش حتى يستمتع بهذا المال، فهو يجمعه ويستمع به غيره ويحاسب هو عليه.
يروى أن صيادين خرجا في رحلة صيد, فاصطاد أحدهما سمكة كبيرة، فوضعها في حقيبته وقال لصاحبه الحمد الله على عطائه، هذه السمكة تكفيني أنا وزوجتي وأولادي أياماً وقد اصطدتها بعد عناء وصبر وإنني قانع بها وأريد أن أجلس مع زوجتي وأولادي أياماً، لأنني منذ أيام لم أجلس معهم، أنا في حاجة إلى الإئتناس بهم والجلوس معهم، ثم همّ الرجل بالانصراف، فقال له الصياد الثاني: دعك من الجلوس مع أولادك وانتظر لتصطاد مزيداً من الأسماك، فإن جلوسك مع أسرتك لا يحققك صيداً ولا مال.
فقال الرجل لماذا اصطاد السمك الكثير ولدى ما يكفيني وأسرتي أياماً؟، فرد عليه صديقه عندما تصطاد سمكاً كثيراً تبيعه؟ فسأله لماذا أبيعه؟ فأجابه صديقه لتحصل على مزيد من المال؟ فسأله ولماذا أجمع مزيدا من المال؟ فأجاب صديقه تزيد به رصيدك وتنمي به ثروتك، فسأله ولماذا أزيد مالي وأنمي ثروتي؟، فرد الرجل لكي تصبح ثرياً، فسأل الرجل وماذا سوف أفعل بالثراء؟ فرد الرجل كي تستمع بحياتك وتسعد مع زوجتك ولأولادك عندما تكبر.
فقال الصياد العاقل ولماذا أؤخر سعادتي إلى أن أكبر؟ أنا الآن أفعل ذلك واستمع بحياتي مع زوجتي وأولادي وأنا قوي قبل أن أضعف وقبل ضياع العمر، فلماذا أؤجل سعادتي إلى شيخوختي؟ هل تضمن أنت أن تعيش لحظة قادمة كي تؤجل سعادتك.
ويقول "فنس بوسنت" لقد أصبح الإنسان في عالمنا هذا كالنملة التي تمتطى الإنسان لتتجه شرقاً، بينما هو يتجه غرباً، من تم يستحيل أن تصل هذا النملة إلى ما تريد.
إن الإنسان الذي لا يضع سقفاً لطموحاته ليشبه هذه لنملة.. لأنه يعيش معركتين معركة داخلية مع نفسه في عقله الباطن بسبب أطماعه الطاغية، ومعركة ثانية مع العالم شديد التغير المليء بالضغوطات ومثل هذا الإنسان الذي يعيش هاتين المرحلتين لا يصل أبداً إلى سر السعادة .
يروى أن ملكاً أراد أن يكافئ أحداً من شعبه، فقال له امتلك من الأرض كل المساحات التي تستطيع أن تقطعها سيراً على قدميك.
فراح الرجل وشرع يقطع الأرض مسرعاً، مهرولاً في جنون وبعد أن قطع مسافة طويلة فكر أن يعود للملك ليمنحه المساحة التي قطعها، لكنه قرر مواصلة السير ليحصل على المزيد سار مسافة أطول، ثم فكر أن يعود إلى الملك، مكتفياً بما وصل إليه، لكنه تردد مرة أخرى وقرر مواصلة السير ليحصل على المزيد وظل يسير ويسير حتى ظل الطريق وهلك في الأرض التي ظن أنها ستسعده.
تيسير السامعى
إذا ما كنت ذا قلب قنوعٍ 2684