ما من حاكم عربي إلا وطغى وتجبر ولحد الفرعنة! ألم يقل القذافي للوسيط الأفريقي بأن شعبه يجله ويقدسه؟ الرئيس صالح قال متشفياً من أحدهم ومتباهياً مما رآه وسمعه من مديح وثناء في إحدى المناسبات: ( إن شكرتم لأزيدنكم)، بالطبع كان قصده إغاظة محدثه الذي لم يكرم وفادته بالتبجيل والإطناب والحشود الكثيفة مثلما كان استقباله في محافظة أخرى وبكرنفال احتفائي كبير كلف خزينة الدولة مليارات الريالات.
ما من فرعون يأتي بغتة أو من الفراغ! نحن للأسف من أتى بهؤلاء الطغاة المتغطرسين، ونحن من يدفع الثمن باهظاً للخلاص من ظلمهم وجبروتهم وفسادهم، لا أجد فارقاً اليوم ما بين حاكم جمهوري أو ملكي؛ فجميعهم في نهاية المطاف من ذات المجتمع الذي صنع القائد الضرورة الملهم الزعيم المتعجرف الفاسد القاتل المستبد، كلهم من طينة واحدة، لا أحد منهم سيتخلى عن كرسيه من دون دم وقربان، ألم يقل أمير الأندلس عبد الرحمن الداخل قولته الشهيرة حين جاء من ينازعه ملكه "القصر أو القبر".
الآن فقط نكتشف كم لدينا من عينة القذافي وصالح وبشار وزين العابدين ومبارك والقائمة لا تنتهي، نثور اليوم بعدما ضاقت بنا الأحوال والآفاق، فيا للسلطة المطلقة ما أقبحك؟ لقد أفسدت العقول والضمائر والأخلاق والدين ولدرجة التأليه للحكام الفاسدين القتلة، فبعد عقود أربعة يطلع
علينا الزعيم المجنون قائلاً: أنا لست رئيساً وإلا رميت استقالتي بوجوهكم، أنا قائد ثورة مجاهد ومناضل من الخيمة، من البادية، أنا المجد والشرف ليس لكم وحدكم وإنما للأمة العربية ولشعوب أفريقيا وأمريكا اللاتينية.
بعد نصف قرن من الزمان والكفاح والعناء؛ ها نحن نفيق على كذبة كبيرة وسمجة كنا نحن من ابتدعها وسوقها وصدقها أيضاً، الآن فقط ندرك أنه ما من خيار آخر أمامنا سوى اقتلاع وهدم هذه الأوثان الجاثمة فوق رؤوسنا وأنفاسنا وحياتنا، أصنام بشرية صارت حملاً ثقيلاً ووبالاً على نهضتنا وتطورنا كمجتمعات ظلت طريقها وزاغت ردحاً طويلاً نتيجة لهؤلاء الحكام المنحلين العابثين الفاسدين.
ما من خيار يدعو للاطمئنان والتفاؤل بوجود هؤلاء الحكام، فحين يصير الإنسان مخيراً ما بين القتل بالرصاص أو الموت بؤساً وحسرة وندامة؛ فإنه لا يخشى الهلاك، ففي المحصلة سيموت وعليه أن يختار طريقة تليق به كإنسان فطره الله حراً كريماً، فكما قال الشاعر:
فإما حياة تسر الصديق وإما مماتاً يغيظ العداء
نعم نحن مثلما عبرت عنا الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي في روايتها (ذاكرة الروح والجسد): إنني أنتمي إلى وطن يخيرك ما بين الموت بالطاعون أو الكوليرا، فأيهما اخترت؛ فلن تجد سوى حتفك، ليس الوطن هنا إلا حاكم مستبد تضخمت صورته وزاد بطشه وجبروته.
هذه الثورات ينبغي لها إزالة الطغيان في المقام الأول، دون محو الصورة السلبية الراسبة في الذهن والواقع عن الحكم ووظيفته ومشروعيته المستمدة من الشعب؛ ستبقى أوطاننا مجرد مساحة مختزلة بشخص من يحكمها غصباً وجبروتاً، ودونما إعادة الاعتبار لمعنى الوطن والمواطنة، ستبقى أرواحنا مزهقة ودماؤنا نازفة وثوراتنا وتضحياتنا لا تنتهي، فكما هو حاصل أننا نموت فداءً للوطن والصحيح أن نعيش من أجله، ألم يقل الرئيس بشار بأنه هو من سيفتدي شعبه؟! ولكن الحقيقة أنه يقتل شعبه الصابر على بطشه وتنكيله!.
محمد علي محسن
القصر أو القبر 2416