لم نجرب الحكم مرة ولم نتربع على كرسي العرش لحظة واحدة حتى نعرف سر هوس الحكام بالتشبث بالحكم ولو على حساب قتل الشعوب وتدمير بلدانهم، يبيعون آخرتهم وأوطانهم ويهلكون أنفسهم والشعوب، وأحمق من يبيع دينه وأخلاقه بسلطة زائلة وملك فان..
من خلال سلوكيات الحكام العرب يبدو أن للحكم مذاق آخر، شهياً حد الشراهة، أو أن حب التسلط أفيوناً لا يشفى من إدمانه الحكام الذين يغالطوننا بأن السلطة مغرم وليست مغنماً، ويتشبثون بها لدرجة جعلوا لعاب البعض يسيل وفي الحقيقة لا يمارسونها، بل متسلطون عليها..
ما لا تستطيع استيعابه الأنظمة الخاوية على عروشها من كل مشروع وطني أن عنف الاستبداد الصادر عن النظام القمعي لا يمكن أن يرهب إرادة شعب عرف طريقه للحرية ومصر على مواصلة السير فيه مهما بلغت التكاليف ومهما دفع من أبنائه ودمائه ثمناً لحرية لا تقدّر بثمن .
عزيمة الشعوب الطريقة المثلى للتحرر، إلى جانب بث روح الانتصار في الجماهير وتقوية الجبهة الداخلية للمقاومة والمؤسسات المدنية المستقلة بوضع إستراتيجية تحررية حكيمة..
لا أحد ينكر أن مقاومة الطغاة التي امتدت عروقهم وتجذّرت في الوطن ستكون مهمة عسيرة ومكلفة ولن تكون دون خسائر، فثمن اقتلاع هذه الأنظمة المريضة سيكون باهظاً، لأنها ستدافع بكل شراسة عن قلاعها وحصونها حتى لا تسقط ولو كلفها ذلك تصفية كل الشعب، في المقابل لن تبقى القوى الثورية مكتوفة الأيدي أمام هذا العنف، فقد ينفد صبر الشعب وتنقلب ثورته السلمية إلى ثورة مسلحة وعنيفة وهذا يجعل من العمل الثوري النضالي معقداً.
ما يجب أن ندركه جيداً أن الدول الغربية على استعداد تام لبيع حلم الشعوب المضطهدة بالحرية مقابل أهداف أخرى متعلقة بمصالحها الذاتية، لهذا فالتعويل كثيراً على الدعم الخارجي للإطاحة بالأنظمة الظالمة والفاسدة في بلداننا لا يجدي، لأن طرق الخارج حل محفوف بمخاطر عدة، ونحن نريد ثورة نحظى بعدها باستقلال لقراراتنا وإرادتنا الوطنية وليس أن يبقى الوطن رهناً لقوى استعمارية خارجية بعد أن كان رهيناً لنظام مستبد..