العدل ميزان الله في الأرض يؤخذ به للضعيف من القوي والمحق من المبطل وقد قيل: مات بعض الأكاسرة، فوجدوا له سفطاً، ففتح، فوجد فيه حبة رمان كأكبر ما يكون من النوى معها رقعة مكتوب فيها: هذه من حب رمان عمل في خراجه بالعدل.
وقد قال الخليفة المنصور: وددت لو أني رأيت يوم عدل ثم مت، وذلك حين قدم المنصور البصرة قبل الخلافة، وسمع أبيات عن سليم بن يزيد العدوي في العدل:
حتى متى لا نرى عدلاً نسر به × ولا نرى لولاة الحق أعوانا
مستمسكين بحق قائمين به × إذا تلون أهل الجور ألوانا
يا للرجال لداء لا دواء له × وقائد في عمى يقتاد عميانا
وقال تعالى: "إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى"، فلو وسع الخلائق العدل ما قرن الله به الإحسان.
وعدل الملك يوجب محبته، وجوره يوجب الافتراق عنه، وأفضل الأزمنة ثواباً أيام العدل.
وروينا من طريق أبي نعيم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لعمل الإمام العادل في رعيته يوماً واحداً أفضل من عمل العابد في أهله مائة عام أو خمسين عاماً، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "عدل ساعة خير من عبادة سبعين سنة ."
وقيل تظلم أهل الكوفة من واليهم، فشكوه إلى المأمون، فقال: ما علمت في عمالي أعدل ولا أقوم بأمر الرعية وأعود بالرفق عليهم منه، فقال رجل منهم: يا أمير المؤمنين ما أحد أولى بالعدل والإنصاف منك، فإن كان بهذه الصفة فعلى أمير المؤمنين أن يوليه بلداً بلداً حتى يلحق كل بلد من عدله مثل الذي لحقنا ويأخذ بقسطه منه كما أخذنا، وإذا فعل ذلك لم يصبنا منه أكثر من ثلاث سنوات، فضحك المأمون من قوله وعزله عنهم.
وكان الإسكندر يقول: "يا عباد الله إنما إلهكم الله الذي في السماء الذي نصر نوحاً بعد حين، الذي يسقيكم الغيث عند الحاجة، وإليه مفزعكم عند الكرب، والله لا يبلغني أن الله تعالى أحب شيئاً إلا أحببته واستعملته إلى يوم أجاب، ولا أبغض شيئاً إلا أبغضته وهجرته إلى يوم أجلي، وقد أنبئت أن الله تعالى يحب العدل في عباده ويبغض الجور من بعضهم على بعض، فويل للظالم من سيفي وسوطي، ومن ظهر منه العدل من عمالي، فليتكئ في مجلسي كيف شاء، وليتمن عليّ ما شاء فلن تخطئه أمنيته، والله تعالى المجازي كلاً بعمله.
ويقال: " إذا لم يعمر الحاكم حكمه بالإنصاف خرب بالعصيان ."