من يعفو ومن يصفح؟ الرئيس الذي أقترف نظامه أفظع الجرائم وأبشعها بحق ضحاياه الثائرين على حكمه الظالم أم شعبه الضحية الذي مازال يتجرع صنوف القتل والتنكيل والقهر؟!.
تصوروا الرئيس الذي صار فخرياً وشرفياً مذ توقيعه لمبادرة خليجية وأممية في الرياض يوم الأربعاء الفائت أطل علينا ثانية وثالثة ومن خلال قناة اليمن ليعلن على الملأ بأنه مازال الرئيس الذي بيده مقاليد الحكم وبأن مداد حبره ليس إلا واحدة من تجلياته المريضة المهووسة بالغدر والحيلة والكذب!!.
حقيقة لقد أدهش الكثير بصلافته وعنجهيته، ففي الوقت الذي بدأ نائبه بممارسة سلطة الرئيس الفعلية رأيناه يتصدر المشهد السياسي والإعلامي والدموي كرئيس بكامل الصلاحية والاعتبار، فمرة يدين ويشجب ويوجه وزارة الأمن بضبط جناة قتل المتظاهرين وثانية يبعث ببرقيات تهانٍ إلى رؤساء وملوك دول عربية وإسلامية، ناهيك عن تهنئته قادة الجيش والأمن بذكرى السنة الهجرية، بينما ما هو مألوف ومعتاد أن هؤلاء هم من يرفع التهنئة إلى مقامه.
ليس هذا فحسب بل وصلت الصفاقة لحد إصداره لفرمان عفوه وصفحه عن ضحاياه الذين هم اليوم شعب تعداده أكثر من 25مليون إنسان، فهل هنالك وقاحة وقلة حياء تضاهي تصرفات من هذا القبيل؟.. لكم أن تتصوروا كيف أن هتافات اليمنيين المطالبة بمحاكمة الرئيس ورفض مبادرة الخليج كونها منحته فرصة النجاة ببدنه وماله وأقربائه؟.
ومع وجود هذه التظاهرات الشعبية اليومية الصارخة بهتاف (لا حصانة لا ضمانة) ينبري الرئيس معلناً بعفوه عن شعبه، إنه ذات المنطق القديم الذي لطالما نجع في استخدامه تجاه مناوئيه إبان حروبه السابقة في المناطق الوسطى وفي الجنوب أو صعدة أو غيرها من الصراعات الماضوية التي كان لوصفة العفو الرئاسي سحره وفاعليته لحكمه المستمد من هكذا صراعات وحروب.
الرئيس وهو يقوم بذات الدور غفل كثير من المتغيرات الطارئة اليوم، فالحاصل أن ما يجري في البلد لم يكن انقلاباً ناصرياً على حكمه أو تمرداً شيوعياً أو انفصالياً أو حوثياً أو عسكرياً أو فئوياً أو من المسميات المعتادة وإنما هو ثورة شعبية رافضة لبقائه ونظامه العائلي.
ثلاثة رؤساء عرب سبقوه إما إلى الحبس أو المنفى أو القبر وبرغم ما حدث وسيحدث في قابل الأيام مازال الرئيس يظن أنه أكثر الحكام فطنة وقدرة على النجاة والسلامة، ربما ظن أنه مختلفاً واستثنائياً عن زين العابدين ومبارك والقذافي وحتى بشار، فمن يشاهد قنوات اليمن وسبأ وأخواتها هذه الأيام سيدرك جلياً إلى أي مدى وصل العبث والصلف.
لدينا رئيس مفوض يدعو لانتخابات الرئاسة ويكلف رئيساً لحكومة وفاق ويوجه برفع المظاهر المسلحة وبالمقابل يوجد لدينا رئيس سابق جل همه وتفكيره البقاء في الرئاسة ولو أضطره الأمر تقويض وإغلاق كل نافذة يتسرب منها بصيص ضوء وأمل، تصرفات ليس لها ما يبررها غير أنها نابعة من شخصية تعاني أمراض عدة، كالشيزوفرينيا والسادية والنرجسية والبارانويا وغيرها من الأمراض النفسية والذهنية التي بلا شك وبالها كان كارثيا ومأساويا على اليمنيين وعلى بلدهم المنهك اقتصادياً ومجتمعياً ونفسياً وذهنياً جرا هذه الممارسات الغير سوية.
ختاما ينبغي التأكيد أن لدينا الآن رئيسان، واحد يدعو لانتخابات رئاسية مبكرة ويكلف المعارضة بتشكيل الحكومة وآخر يوجه ويعفو ويعاقب ويحذر ويعطل كل فعل إيجابي من شأنه إخراج البلد وأهله من وضعيتهما القائمة نتيجة لهذا العنت الرافض لكل المحاولات، لا شيء يؤكد بان صالح سيكون مختلفاً بعد نقل سلطانه لعبدربه، فكل ما نراه لا يطمئن أبداً، فالرئيس الذي لا يحترم ذاته ومسئوليته وواجبه تجاه شعبه طوال عقود ثلاثة؛ بإمكانه تحمل المهانة والإساءة وفي ظرفية بات فيها كرسيه على شفا السقوط.