من الصعب جداً على الإنسان أن يجد نفسه محاصراً بردود أفعال تلفظها شفتاه وتترجمها جوارحه دون أن تكون لديه الإرادة الكاملة لحدوث ذلك، وجميعنا يفقد السيطرة أحياناً على كنترول الاستجابة للعالم المحيط به لكنه وحين يكتشف حجم الأضرار التي خلفها من حوله يصل حد القناعة بالاكتفاء المطبق بالخضوع وأيضاً دون أن تكون لديه القناعة الكاملة بذلك!، وبالنزول من بج التصورات إلى أرض الواقع.. اليوم نجد أن أكثر ما يحدث على الساحة تقف خلفه قناعات مهزوزة، ليس انحيازاً عن مسار الحدث ولا استهتاراً بأهدافه ولكنه الضمير الذي كان في غفلة عن نتائج غير متوقعة كماً ونوعاً.
وبالخروج عن مساحة الفلسفة اللفظية هذه وصولاً إلى الشارع نجد أن هناك حركات دخيلة على ثورتنا وعلى أي ثورة في أي بلد، وفي رأيي أن هذه الحركات أو النزعات أو الاتجاهات لها أثر كبير جداً على عرقلة سير هذا الحدث السياسي الذي ينبغي أن لا تطول أحداثه حتى لا نجد أنفسنا أمام خيارات أكبر وتضحيات أكثر مما نحن عليه الآن.
يجب أن تكون هناك مبادرة أخلاقية حقيقة تؤمن بأن للثورات مبادئ وقواعد وأسس، وإلا فعلينا الاعتراف بعدم إمكانية حدوث التغيير مطلقاً مع ثورة بلا أخلاق! نعلم جيداً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجهز جيوشه بالكثير من الوصايا الأخلاقية ومنها "عدم قتل الأطفال والنساء والشيوخ، عدم حرق الأشجار، عدم إهلاك الضرع..." وغيرها كثير وهو يفعل ويقول ذلك صلى الله عليه وسلم وهو في حالة حرب مع طرف كافر لا يعترف بوجود خالق الأرض والسماء، وأما نحن اليوم يقتل بعضنا بعضاً، حتى أصحبت أموالنا ونساؤنا وأطفالنا وحرثنا وقوداً لتلك الصراعات.
هلاّ حمية؟! هلاّ نخوة؟! هلاّ تذكرون ساعة تقفون فيها بين يدي العزيز الجبار؟! يا أيها المعتصمون في الساحات وخلف منابر الطب والتعليم والصحافة والدعوة إلى الله، هل تقفون وقفة رجل واحد لتتناهوا عن منكر يفعله من يقول إنه منكم ونحن على ثقة أنه دخيل على المجتمع بأسره وليس على الثورة فقط، بل إننا على ثقة أنكم على علم بأن ما أهلك القرون من قبلنا أنهم كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، ((لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك ما عصوا وكانوا يعتدون * كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون)) المائدة 78-79.
نريد "فزعة" أخلاقيــة لإصلاح هذا الخلل القائم، إذ من غير المعقول أن تناضلوا وتقدموا قرابين الثورة كل يوم، فأنتم أسمى من ذلك وأكبر وأطهر بإذن الله، فقط تحركوا باتجاه أخلاقي واعلموا أن سبب سيادة الدين الإسلامي أنه جاء متتماً لمكارم الأخلاق وبهذا بعث نبيكم الصادق الأمين، فقط لتكن ردود أفعالكم موزونة وسائرة في اتجاه الحق والدين والعرف والصواب، ولا تنسوا أننا مجتمع ذو تركيبة أخلاقية مهما بدت معقدة إلا أنها راقية جداً جداً.
