أيام قليلة وينتهي عام 2011 هذا العام، إذ كان عاماً استثنائياً بكل ما تحمله الكلمة من معاني، سيظل خالداً في ذاكرة المواطن العربي، بل في ذاكرة العالم كله لا ينسى إلى يوم القيامة، فقد كان بحق نقطة تحول فاصلة بين عهدين، عهد مضى عاش فيه الإنسان العربي وهو يتجرع مرارة الظلم والاستبداد والقهر والإذلال بفعل الأنظمة الفردية الاستبدادية القمعية التي تساقط عروشها الواحد تلو أخرى في مسلسل لم يكون حتى بالخيال، وعهد جديد بدأت ملامحه تتضح صار المواطن العربي يشعر بالكرامة ويعش في عزة بعد أن تحرر من كابوس الخوف، صار يستطيع أن يمارسه حقوقه بكل حرية، بعيداً عن هيمنة الأنظمة البوليسية.. هذا ما ظهر جلياً من خلال الانتخابات التونسية والمصرية.
فمن كان يتخيل قبل عام فقط أن حزب النهضة التونسي الذي جميع قادته أما في السجون والمعتقلات أو في المنفى صاروا اليوم حكام تونس بعد أن تمكنوا من الفوز في انتخابات حرة ونزيهة لم تشهدها تونس من قبل .
ومن كان يتخيل أن حسنى مبارك ونظامه صارا جزءاً من الماضي بعد أن ظل أكثر من 30 عاماً لا ينازعه أحد في حكم مصر، وأصبح مع أولاده وأركان نظامه في السجن وصار الإخوان المسلمين الذين لهم أكثر من خمسين سنة هم يُطاردون ويُلاحقون ويُحاكمون أمام المحاكم العسكرية، الآن يتهيئون لحكم مصر.
من كان يتخيل أن ليبيا صارت حرة بدون قذافي، بعد أن ظلت لأكثر من40 سنة وكأنها مزرعة خاصة به، حتى اعتقد العالم أن ليبيا بجبالها وصحرائها ومدنها لا يوجد فيها بشر غير القذافى وأولاده فقط، والآن صار القدافى وأولاده في مزبلة التاريخ وقبره يُرمى بالنعال كما كان يُرمى قبر الخائن أبو رغال في مكة قبل الإسلام .
ومن كان يتخيل أن علي صالح الذي كان يحرص أشد الحرص على تغيير مدير مدرسة إذا علم أنه لا يدين له باللواء المطلق, صار الآن مجرد رئيساً فخرياً بعد توقيعه مرغماً على المبادرة الخليجية التي جاءت لتنقذه من الثورة الشعبية السلمية التي فجرها شباب اليمن وصار رئيس الحكومة وخمسين بالمائة من أعضائها من المعارضة الذين خرجوا مع الثوار إلى الشوارع يهتفون برحيله و لم يبقى له إلا الأيام معدودات ستنهى عهده إلى غير رجعة، سوف يصبح جزءاً من الماضي .
ومن كان يتخيل أن الشعب السوري سوف يصمد هذا الصمود الأسطوري العجيب أمام آلة القمع والقهر والهمجية التي يقوم بها النظام ويقدم كل يوم العشرات من الشهداء حتى جعل العالم كله يتعاطف معه، بل من كان يتخيل أن الجامعة العربية التي ظلت طوال تاريخها مجرد ديكور لإلهاء الشعوب العربية والاستخفاف بعقولهم تحت شعار الوحدة العربية والتضامن العربي يتغير موقفها تتحول إلى جامعة عربية حقيقية تقف مع إرادة الشعوب وتدافع عن حقوقها، هذا ما تجلى من خلال موقفها من الثورة السورية وقبلها ثورة ليبيا .
إنه بحق عام استثنائي، عام تنفس فيه الإنسان العربي عبير الحرية وشعر بأنه إنسان له حقوق لابد أن ينتزعها ويضحى من أجلها ويسعى جاهداً من أجل تحقيقها ولا يمكن أي قوة في الدنيا أن تحرمه منها. والأكبر من كل ذلك أنه أعاد الثقة إلى نفسه واكتشف أنه قوة لا تقهر، وأن الأنظمة الاستبدادية لم تكون إلا وهماً استغلت عامل الخوف في النفس.. هذا ضمان كبير على أنه لن يهزم لن يقهر أو تصادر حقوقه بعد اليوم.
في هذا المقام لابد من كلمة شكر وعرفان وإجلال واحترام للشعب التونسي العظيم الذي كان له قصب السبق في كل ذلك، فالذي لا يشكر الناس لا يشكر الله، فشكراً لك يا شعب تونس .