بعد انتظار طويل وترقب مستمر للإعلان عن تشكيل حكومة الوفاق الوطني برئاسة المعارض البارز محمد سالم باسندوه.. فقد توقع مراقبون سياسيون إعلانها يوم الأربعاء 7/12/2011م وبالفعل أعلن التلفزيون الرسمي قرار تشكيل الحكومة المكونة من أربعة وثلاثين وزيراً مناصفة بين الحزب الحاكم والمعارضة ولإِنقطاع التيار الكهربائي على معظم أحياء ومدن اليمن فقد بَكّر المواطنون يهرعون صباح الخميس نحو الأكشاك في مختلف المدن اليمنية التي اكتظت بكثرة المشتريين للصحف، حيث اصطف الناس طوابير لشرائها غير أن الأعداد التي نزلت الأكشاك لم تفي بالمطلوب لكثرة الطلب على الصحف بشكل عام وبالأخص صحيفة (أخبار اليوم) التي تنقل الحدث على التو وهي التي لبت رغبة الجمهور حيث نقلت قرار تشكيل الحكومة الجديدة في الصفحة الأولى صوراًً وأسماء وقد كان يوم الخميس يوماً مشهوداً فبعد اطلاع الجمهور على الصحيفة وتعرفهم على أسماء الوزراء وصورهم وماضيهم وعمّا إذا كانوا من أصحاب الماضي الأسود الملطخة أيديهم بدماء الشعب ونهب الأموال أم من الوجوه الجديدة الكفؤة التي يهمهما مصلحة الشعب ؟ ثم تساءل الجمهور هل في هذه الحكومة من الوزراء السابقين الذي ثار عليهم الشعب أم لا؟ وقد انقسم الناس في انطباعاتهم وآرائهم وتوقعاتهم لما سيكون عليه المستقبل في ظل الحكومة الجديدة إلى عدة آراء.
(الأول) وهم المتفائلون بنجاح تشكيل الحكومة وتحسُّن الوضع والخروج من الأزمات المتعددة التي افتعلها النظام السابق وحكومته ومنها أزمة انقطاع التيار الكهربائي واختفاء الغاز المنزلي وانعدام المحروقات وارتفاع الأسعار وغير ذلك من الأزمات التي لا يسعنا المقام لذكرها في هذا المقال.
وقد توسّم المتفائلون بهذه الحكومة أن تقضي على كل هذه الأزمات وتحل كل المشكلات ولو بالتدريج، فنكون قد أسسنا لنظام حكم مدني، أما أصحاب الرأي(الثاني)، فقد انقسموا إلى قسمين بين متفائل ومخيب للآمال ولكل مبرراته، فالمتفائل يستبشر بالخير والسعادة قائلاً لقد وُفِِّقَت المعارضة بحسن اختيارها لأعضائها في الحكومة الجديدة، لاسيما وأنهم من أصحاب الكفاءة والنزاهة والسمعة الطيبة ولم يكن تأريخهم ملطخاً بالفساد ونهب المال العام والاستبداد وهذا ما جعلهم يستبشرون بالخير ويتوقعون خروج اليمن من الأزمات، مرددين قوله تعالى (إنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ) ومرددين الحكمة القائلة (اشتدي أزمة تنفرجي) ويتغنون بقول الشاعر إيليا أبو ماضي
هوَ عبءٌ على الحياةَ ثقيلٌ
منْ يظنْ الحياة َعبئًا ثقيلاً
والذي نفسهُ بغير جمالٍ
لا يرى في الوجودِ شيئاً جميلاً
غير أن القسم الآخر وهم المتشائمون يشعرون بخيبة أمل في نجاح حكومة الوفاق أو تحسّن الأوضاع متعللين بأن السبب في ذلك هو أن نصف أعضاء الحكومة المرشحين من قبل الحزب الحاكم لم يكونوا مختارين من العناصر ذات الكفاءة والقدرة على تحمل المسؤولية، لاسيما وان ثمانية منهم تم إبقاؤهم ممن كانوا في الحكومة السابقة الملطخة أيديهم بالدماء والفساد ونهب الثروات، ثم استمر المتشائمون قائلين ماذا عسى أن يعمل نصف الوزراء الشرفاء التابعين للمعارضة بجانب النصف الآخر التابعين للحزب الحاكم ؟ فبقاء وزير فاسد من الحكومة السابقة سيفسد بقية الوزراء ويخرب المجلس لأن المثل يقول ( مُكسّر غَلبْ ألف مَدّار ) هذا في حالة وجود عضو واحد فاسد، فكيف والحال بقاء ثمانية وزراء من الحكومة السابقة الفاسدة التي أسقطها الشعب كما أسقط رئيس الجمهورية أما عن الشخصيات الجديدة المختارة من الحزب الحاكم فلم نستطيع الحكم عليهم مسبقاً حتى يتم تجريبهم وعلى فرض صلاحهم و كفاءتهم وهذا ما نتوقعه إلا أن زملاءهم الباقيـين من الحكومة السابقة سيخربون المجلس ويعرقلون الإصلاحات لأن ( تجريب المجرب مُحَال ) والواقع يؤكد أن العضو الفاسد إن لم يُسْتأصل فهو يقضي على بقية الجسم كاملاً وذلك ما يقوله الأطباء والشاعر يقول:
ولو أن بانٍ خَلفَهُ هادم كَفَى
فَكيفَ ببانٍ خلفهُ ألفُ هادم
أما أصحاب الرأي (الثالث) فهم المتشائمون من نجاح الحكومة وآمالهم خائبة فيها، معللين ذلك بأن المؤتمر لم يحسن نيته في اختيار النصف الخاص به من أعضاء الحكومة وهو بذلك يسعى إلى إفشال حكومة (باسندوه) ولو كان المؤتمر حسن النية في إخراج البلاد من المآزق والأزمات التي أوجدتها الحكومة السابقة لأحسن الاختيار لأعضائه في الحكومة الجديدة، لاسيما وأنه ما يزال لديه أعضاء في المؤتمر شرفاء وأصحاب كفاءة كي يتعاون الجميع في بناء يمن جديد، أمّا والمؤتمر قد أعاد اختياره للفاسدين من الحكومة السابقة ولسنا بحاجة إلى ذكر أسمائهم، فمن أراد معرفتهم فليعد إلى الصحف وقد أضاف أصحاب هذا الرأي قائلين ألم يكن المؤتمر هو من حكم البلاد لعقود من الزمن قادراً على اختيار عناصر كفؤة؟ ولماذا يقومون بتهميش تلك العناصر واستبعادها من المشهد السياسي ؟ وهل لا يوجد في المؤتمر غير وزرائهم السابقين الذين ينقلونهم بين وزارة وأخرى والملطخة أيديهم بالفساد ؟ أم ماذا؟.
والحقيقة أن المُطّلع على كل ما ذكرناه سيتضح له سوء النوايا التي لا تزال لدى القائمين على إدارة المؤتمر وعلى رأسهم (صالح) وإذا كان نظامه قد فشل في اختيار الحكومات السابقة وهو منفرد بالحكم وحده؟ فلم يوصل البلاد إلى بر الأمان وإنما إلى الهاوية واستبعاد الآخر وإقصائه فماذا عسى أن يأتي به الآن وهو ما زال على رأس حزبه ؟ فلا يُجَرّبُ المُجرّب إلا صاحب العقل المخرب.
إن بقاء صالح في المشهد السياسي وعدم إزاحته هو وأولاده وأولاد أخيه وأقربائه من نفس المشهد سيعود بكارثة على اليمن من جديد وسينطبق على اليمن المثل القائل( عادت حليمة إلى عادتها القديمة) لأن بقائهم في المشهد السياسي يشكل خطورة على أمن اليمن واستقراره وعلى العملية الديمقراطية وهذا ما يلمسه اليمنيون ويتوقعونه.
فصالح قد نقل كامل صلاحياته إلى النائب (هادي ) ولكنه ما زال يصدر قرارات جمهورية بالتعيين ويوجه بالتوظيف وغير ذلك من الانتهاكات الصارخة للمبادرة الخليجية ولقرار مجلس الأمن الدولي وللأعراف والمواثيق الدولية أما ما يصدر من خروقات وانتهاكات من قبل أولاده وأولاد أخيه، فحدّث عنها ولا حرج لاسيما وأنهم ما يزالون يحملون مناصب قيادية في الجيش والأمن، فاستقرار اليمن وأمنه مرهون بإزاحتهم عن هذه المناصب وخروجهم من المشهد السياسي وإلا فأمام حكومة الوفاق الوطني تحديات وعقبات ومع كل ذلك فالأمل يحدونا بإزالة هذه العقبات والمطبّات، سيما وأن الأخ/ جمال بن عمر قد عاد أخيراً إلى صنعاء للإشراف على تنفيذ المبادرة وآليتها التنفيذية .