حكومة الوفاق قد تكون حلاً وقد تكون مشكلة!، فكونها الحل الوحيد فذاك يعني أنها حكومة لإنقاذ البلاد والعباد وفي ظرفية حرجة واستثنائية كهذه، أما أن تكون فاتحة لمشكلات قابلة – وهذا ما لا يتمناه أحد– فلأنها ستكون مجرد توليفة متوافقة في الشكل ومتناقضة الجوهر.
فمهمتها ووقتها وجهدها سيبقى رهن هذا المزج العجيب بين كون هذه الحكومة تمثيلا لثورة شعبية عارمة ولتضحيات مجترحة خاضها اليمنيون من أجل إسقاط النظام ورأسه، وبين كون هذه الحكومة تجسيداً لأزمة سياسية كادت أن تعصف بالنظام السياسي كلياً سلطة ومعارضة.
نظرياً لدينا الآن رئيس وحكومة مؤقتان، الاثنان هما على المحك العملي؛ فالممارسة وحدها ستكشف حقيقة ما إذا كانت المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية حلا أم مشكلة؟ لست متشائماً لحد اليأس ولست متفائلاً لدرجة انتظار الوهم.
ومع ذا وذاك لا مناص من التفاؤل، أياً كانت الحكومة وأياً كان موقفنا معها أو ضدها، ففي النهاية يجب على الواحد منا أن يحسن الظن وأن لا يتسرع في الحكم على الأشياء ومن الزاوية التي يقف فيها، فالتشاؤم وفق تعبير "فيكتور هيجو" عبارة عن تسوس الذكاء أو كما قال أحدهم: المتفائل يرى ضوءاً غير موجود، والمتشائم يرى ضوءاً ولا يُصدِّقه.
ما أخشاه هو أن تصير هذه التوليفة خير تجسيد لمقولة أمير لبنان الراحل/ شكيب ارسلان: الفارق بين السياسي والوطني هو أن الأول يفكر بالانتخابات القادمة فيما الآخر يفكر بالأجيال القادمة).
قد لا اتفق مع مسألة تجريد السياسي من شعوره وإحساسه بالمسؤولية الوطنية إزاء الأجيال الحاضرة أو القادمة، فالعبرة في الأفعال لا الأقوال، فالوطنية بتعبير الراحل/ قاسم أمين تعمل ولا تتكلم، فكم لدينا من المهرجين والمنافقين والانتهازيين والعابثين والمتسلقين، الباحثين عن مجد وشهرة ولو على جماجم ودماء وقوت ومستقبل الملايين؟ وكم بالمقابل هم المنشغلون بصمت وإخلاص وكم هم الصادقون والصامدون والمنافحون عن قيم الحق والعدل والمساواة دونما ضجيج أو منة أو مقابل وووو؟.
أصدقكم القول، فهذه الحكومة تذكرني بحكومة الفريق أحمد شفيق، كما أن عبدربه وصلاحياته الطارئة يعيدني إلى ذلكم الجدل العقيم الذي خاضته النخبة السياسية حول رئاسة عمر سليمان المؤقتة، فبرغم أن حكومة شفيق ولدت بقرار من الرئيس مبارك وفي اللحظات الأخيرة وبرغم أن النائب سليمان تم تعيينه كذلك، إلا أن الاثنين في المحصلة ذهبا ضحية لهذا الانفصام المزدوج، فهما وظيفياً في مهمة إنقاذية ما كانت ستأتي لهما لولا ثورة 25 يناير المطالبة برحيل مبارك ونظامه وعملياً هما مع رئيسهما المحتضر.
لا شفيق ولا سليمان، فمثلما صعدا فجأة ولحاجة في نفس مبارك ونظامه؛ أجبرتهما الثورة على الرحيل، سليمان حاول جاهداً جمع الفرقاء من أحزاب أكل الزمن منها وشرب على مائدة حوار سقيم لا يؤسس لبناء دولة ديمقراطية عصرية، فكان الرفض وكان التنحي أمراً مقضياً، رحل الرجل وبقي وجهه وصوته وكلماته لا تغيب.
الفريق شفيق ظل في منصبه، لكنه لم يستطع أن يكون رئيساً لحكومة الثورة، ليست المشكلة في كونه مكلفاً من مبارك بقدر ما المشكلة أنه لم يستطع الخلاص من تركة العهد البائد وفي أن يكون واقعياً ومنحازاً للثورة التي أتت به إلى كرسي الوزير الأول.
النائب عبدربه ورئيس حكومة الوفاق باسندوه هما اليوم أشبه بالثنائي سليمان وشفيق، ربما قد يكون وجه الاختلاف في كون باسندوه يشبه إلى حد ما عصام شرف القادم من ميدان التحرير، ومع هذا دعونا نتفاءل بالرجلين كمنقذين لبلد شارف على الصوملة، لننظر لنصف الكأس المليء بالماء بدلاً من النظر لنصفه الفارغ!.
دعكم من التشاؤم ولنحسن الظن في الرئيس المؤقت وفي حكومة باسندوه، دعكم من السؤال المستفز: لمن ستنحاز الحكومة؟ للثورة الشعبية المطالبة بتغيير النظام كلياً أم للنظام الذي يحاول فرض نفسه وإن بطرق ووسائل مغايرة؟!.. المهم الآن هو بقاء الساحات حية لحين تنتهي المهمة، ويا ذي صبرت وعانيت ثلاثة عقود ما ضرك لو صبرت وتحملت ثلاثة أشهر.