لَمَّا كانت الأنظمة الحاكمة جمهورية كانت أو ملكية يغلب عليها طابع الطغيان والاستبداد والقهر والاستئثار بالحكم والتشبث به ليكون حكراً بيد الزعماء لأنفسهم وتوريثه لأبنائهم من بعدهم والحقيقة أنهم لم يصلوا إلى السلطة والحكم عن طريق الديمقراطية والانتخابات الحرة والنزيهة وإنما عن طريق القوة العسكرية والدعم الخارجي وبدلاً من انشغالهم في تثبيت الأمن والاستقرار وتحسين وضع الشعوب اقتصادياً وثقافياً واجتماعياً ... الخ فإنهم يقومون بالقمع الداخلي للشعوب بغرض إحكامهم لقبضة السلطة بأيديهم ليضمنوا لأنفسهم استمرار الدعم الخارجي تحت زعم مكافحة الإرهاب هذا بالنسبة للأنظمة العربية وتجدون هذه الأنظمة تعلن في وسائل إعلامها عن فرض حالة الطوارئ عندما تنقل لها المخابرات عن مسيرات أو تجمهرات فتعمل على قيد الحريات وتعطيل الدساتير والقوانين بغرض قمع الحركات الثورية والتحررية . بَيْدَ انه ورغم كل تلك الوسائل القمعية التي انتهجتها هذه الأنظمة فقد نتج عن ذلك ظهور قوة وطنية مخلصة منبثقة من أطياف الشعوب المضطهدة الممنوعة من ممارسة ابسط حقوقها الدستورية والقانونية ولما كان السواد الأعظم في الشعوب هم البسطاء المسحوقون ومعظمهم يخاف كل الخوف من التصريح بأي عبارة تنقد النظام أو تقلل من شأنه أو تظهر معايبه أو تعارضه في توجهه فكان لزاما لإنقاذ هذه الشعوب أن توجد شرائح أخرى تتمتع بمقومات الشخصية الإنسانية ومن أهمها قوة الشخصية وعدم الخوف من البشر أياً كانت سلطته أو منصبه أو مسئوليته وعدم الخوف من الأنظمة مهما كان جبروتها ولعل القارئ الكريم سيستعجل بالسؤال فيقول من هذه الشرائح العملاقة ؟ فنقول له لا تستعجل أخي فبإمكانك الرجوع إلى التاريخ لتقرأ عن صانعي الثورات ومهندسي العقول والابتكارات وحامي الحريات والمدافعين عن المظلومين في جميع الأوقات ولا تهمهم الأراجيف والشائعات بل هم المدافعون عن الثوار بالساحات وأصحاب الصفوف الأولى في المظاهرات والمسيرات ولهم خيم قائمة وثابتة في المعتصمات يستقبلون فيها الشكاوي ويقومون بالإعدادات ويرصدون الانتهاكات والمخالفات ويحلون المشاكل القديمة منها والطارئات ويقضون في الخصومات فمهمتهم تحقيق العدل بما يرضي الضمائر ورب السموات ولا يقلقهم الأقاويل بالأحكام ووصفها بالجائرات ويصدرون اللوائح والتعميمات ويساهمون في وضع الدساتير والقوانين والمذكرات ويقدمون العون القضائي في الدفاع عن المتهمين والمتهمات ويوثقون العقود ويصدرون أحكام التحكيم التي تقيد في السجلات ويُسْتَشَارُون في البيوع والعقود وجميع المعاملات ويحاضرون في الجامعات ويخطبون في الأندية والمؤتمرات ويعقدون اللقاءات ويتحدثون أمام الإعلام ويكتبون في الصحف والمجلات، فهم حملة الأقلام وقادة الفكر والثورات ولا يخافون قسوة الأنظمة والحكومات ومن مهامهم القضاء على الفساد في المجتمعات والسعي إلى إيجاد السخاء والرخاء وتبادل أحسن الكلمات وهؤلاء هم (المحامون والصحفيون والمراسلون والكتاب والمذيعون وحملة الأقلام )..
فالمحامون لسان الحق والعدالة وهم أشبه بالشمعة التي تحرق نفسها لتضيء الناس والأداة الفعّالة للرقابة على أعضاء السلطة القضائية وتطبيق مبدأ سيادة الدستور والقانون، فمهنتهم اشرف المهن واعزها على الإطلاق لأنها مهنة كل المهن والتاريخ شاهد لهم وللصحفيين بالوقوف إلى جانب شعوبهم ضد الأنظمة الاستبدادية الفاسدة في الوطن العربي وفي العالم أجمع، فلو رجعت أخي إلى ما سطرته الأيام والشهور الماضية في إسقاط الأنظمة والدكتاتوريات لوجدت أن المحامين والصحفيين هم الذين يقفون في الصفوف الأولى للثورات لإسقاط العقداء والجنرالات وهم الذين كان لهم الدور البارز في إسقاط الجنرال (برويز مشرف) رئيس جمهورية باكستان الإسلامية، حيث كان المذكور قد دعا إلى انتخابات أشبه بالانتخابات الهزلية التي كانت تدعو إليها الأنظمة العربية برئاسة أمثاله وأقرانه من الطغاة كابن علي ومبارك والقذافي وصالح والأسد وقُبَيْل الانتخابات قام بإقالة رئيس المحكمة العليا لِمَا يُعرف عنه من النزاهة والاستقامة والكفاءة ولأنه لن يقبل بانتخابات مزورة وستكون الأحكام القضائية بشان الانتخابات ضد (مشرف وحزبه)، فاستبدله بغيره من قضاة السلطة الذين يبيعون دينهم بعرض من الدنيا قليل، فثار عليه المحامون والصحفيون واجبروه على إعادة رئيس المحكمة العليا المقال إلى منصبه السابق وواصلوا الثورة ضد (الجنرال) حتى أسقطوه جبراً ذليلاً حقيراً مهاناً وهكذا تكون نهاية الطغاة والمجرمين .
أما عن دور المحامين والصحفيين في العالم العربي فقد كان لهم السبق في إنعاش هذه الثورات وتقدم الصفوف في المسيرات والاعتصامات والتحدث لوسائل الإعلام في الأندية والمؤتمرات باسم الثوار والثائرات ومع ذلك فقد صمدوا مع الشباب يصدرون البيانات والتصريحات ويوثقون جرائم الأنظمة ويثرونها بالأدلة والملفات ووسائل الإعلام شاهدة بما في ذلك التلفاز والصحف والمجلات ابتداء بثورة تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا وقد كان لهم ادوار مختلفة في نجاح الثورات، فمنهم المرابطون في الخيام بالساحات ومنهم المتحدثون باسم الثورات لوسائل الإعلام من داخل الشعوب الثائرة ومنهم المتحدثون للقنوات الفضائية والرأي العام من خارج بلدانهم في عواصم الدول الصديقة والشقيقة ويعقدون اللقاءات والمؤتمرات مع زعماء تلك الدول ودبلوماسيها ويطرحون عليهم مطالب شعوبهم في تغيير الأنظمة التوريثية ومنهم من تم تكليفه بتوثيق جرائم الأنظمة المرتكبة ضد الشعوب وإعداد الملفات والمطالبة بإحالتها إلى محكمة الجنايات الدولية لمحاكمة رؤوس تلك الأنظمة وأقاربهم وأركان نظامهم هذا فضلاً عن تمثيل الشعوب أمام الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي وكم سقط من الحقوقيين و الصحفيين بين شهيد وجريح ومعتقل وكم صُوْدِرت من الصحف واختُطِف موزعوها وسيارتهم ولعلّ بعض القراء سيقول هناك من المحامين والصحفيين من صمت أو وقف مع الأنظمة الاستبدادية، فسيكون الرد بأن هذه الفئة إن وجدت فلا تكون سوى فئة جاهلة لا تعرف قداسة مهنتها، فيكون الصحفي أو المحامي من هذه الفئة ليس سوى رجل بليد أو منافق رِعدِيد أو ذي مصلحة دنيوية وخلقه غير رشيد ولا مكان له بين الأحرار، بل هو أشبه بالعبيد ومع كل ما ذكرناه في هذا المقال عن صانعي الثورات فقد أثمرت الجهود وتحققت مطالب الشعوب وانتصرت الثورات والحمدلله الذي بفضله يحصل الثبات وتتحقق المعجزات وتتوالى الانتصارات وتتم الصالحات.