في أبين لا يجد المرء متسعاً للفرح، فالحياة معطلة من الحياة، وكل شيء يفقد صوابه ويصير في مستوى الألم ، للإنسان الذي لا حول له ولا قوة سوى أنه ابن هذه المحافظة المتعثرة الحظ، التي لا يريد الكل تجاوز محنتها، نظام وتعددية سياسية.
في أبين يشي إليك المكان بالقهر وكثير من الشحوب الذي يطل من رقعة جغرافية تطل على الحنين والآهة، كأن هذه المحافظة لا تستقر على حال وهي كذلك، شعارها صدر من بيت شعري للمتنبي (على قلق كأن الريح تحتي)، لذلك هي سفر مجهد، وتحولات قاهرة على الطيبين (أبناؤها).
وما يؤلم أكثر أن تجد إنسانها يعيش المعاناة دون أن يدرك الآخرون ذلك، ويصرون على الحنث العظيم، والتمادي في غلوهم حتى لا تكون الحياة مرتبة جميلة يسعد الأهل بها، بعد أن تلحفوا الخوف، ودخلوا محناً لا ناقة لهم فيها ولا جمل، وفي أبين تجيئك الأخبار عن ذكريات المكان، وما بعد المكان، هنا إنفجار، وهناك قتل وضحايا، وفي بقعة أخرى سطو ونهب، وتموضعات لدخلاء وإفساح مكان لهم من الـ(هم) وفي بقعة ثالثة رحيل وتشريد ودموع وحصار وما يحزنون.
هكذا تنهال عليك أمكنة للقهر وأخرى للمؤامرة، ويعن أمامك غبن وظلم على أنبل خلق الله، أهلنا وأحبائنا في أبين الذين تكالبت،عليهم الظروف والبشر، وحين تسأل لماذا أبين اختيار موت وتطاير شرر في التعامل مع ما يجب أن يكون طيباً؟ لا تجد جواباً يرضيك، غير أنك تصل إلى نتيجة مفادها أنك أمام غرائبي لأحداث شؤم، وإشاعة فوضى تقترب من أن تكون قانونهم في أبين، ويذهبون في غيهم إلى التآمر على كل ما يقع تحت أيديهم من بأس شديد، وبأسهم خربشة الجمال في أبين وتلقينه درساً باسم البشاعة وبمزاعم إرهاب وقاعدة وأمور أخرى الله يعلمها.
وذنب أبين أنها بين فكي كماشة نظام، وأهل ذي جاه وسلطة، وبين قوى تثمر شر أو تنتج ولائم عزاء، وبتحالفات متعددة الأشكال، يخسر أبناء أبين، يوقنون أنهم معرضون للدمار مع سبق الإصرار والترصد، كأن الاستحواذ والتسلط لا يمر إلا عبر بوابة أبين، ومن يريد شراً باليمن ينتمي إلى قهر أبناء هذه المحافظة وتصدير الظلم إليها عنوة. وأبين هذه التي ترتكب في حقها حما قات ونقص مكاييل ولا يستوفي أبناؤها حقهم، تعيش القهر بمجالاته المتعددة وأغراضه الحصرية على قوى النزيف والدم. ولكنها في ذات السياق تبقى منطلق الشعراء الذين يجيئون منها ببذخ ويعطون معنى للحياة والحرية.
هكذا تحضر أبين في ذاكرة الشعراء لتبزغ حرفاً ثرياً وجنة عرضها اليمن، في قصيدة ملؤها عافية، تؤكد قدرة أبنائها على احتراف الجمال في الليل البهيم، وجعله في زمن القهر، ضوءاً يلوذون به من كل إفك وإثم وعدوان، وفي أبين يستهلك الإنسان جل يومه في الكثير من الموت والخوف وإشاعة ما يريدون أن يصلوا إليه، سلطة ومعارضة وقاعدة، وذنبهم أنهم ينتمون للقصيدة والجمال.
ولأبين معاني جمة من القسوة واللين وتصرفات من ليسوا رواد حياة وأهل وفاء، لذلك تنال حظها الوافر من الشديد القوي، الذي يأتيها من كل حدب وصوب، وتتكالب عليها الضباع والوحوش، كل يريد النهش فيها على ما تبقى من أمل، غير أن رحيل المواطن منها بجلده مخلفاً وراءه مأساة مكان وطيش إرهاب، يجعله في نقطة في مستوى المرهق بين حبه وعشقه لموطنه، وهذا الذي ينكر عليه حق المواطنة ويريده مجرد شريد أو طريد.
بهذا المضني يقدم اليمنيون شارات الاختفاء من الالتزام بما يجب عليهم، إزاء أبين، ويقدم الباحث عن مأوى وسكن وقليل من الراحة بعد قصف وتهديد حياة، الإدانة الحقيقية، إن الوطن اليمني بتعدديته السياسية والحزبية وصناع هذه الديمقراطية أبو ثلاث ورقات ليسوا في مستوى ما هو جدير بهم في تحمل المسؤولية.
وحدها أبين تكشف سوءة الساسة ودجل السياسيين وذهابهم إلى مناطق الاتفاق والاختلاف على كل شيء، إلا أبين فهي خارج حساباتهم ولا يلتفتون إلى معاناة أهلها، وإنهم لا يستحقون التعب اليومي والتشرد والضياع، والبقاء في انتظار مأوى وبعض ما ينفق لمشرد هنا أوهناك، لا ذنب له سوى أنه وجد الإرهاب يريد حياته فنجا من القتل الآدمي إلى القتل المعنوي، وكلاهما فجور يقع فيه المعنيون بالوطن والقاعدة في آن واحد، كلاهما يتناوبان في إزاحة أبين، وإدخالها في أتون صراعاتهم ومزايداتهم وشراسة أعمالهم.
وهذه أبين التي امتحن الله الوطن كله فيها، لم تعد قابلة للضياع اليوم، إنها استحقاق لا يمكن تجاوزه إلى ما دونه.. وفي الواقع أبين بين نارين.
لذلك من هنا نبعث رسالة ونقول: تعالوا إلى أبين.. تعالوا إلى حيث التحدي والاختبار على صدق ما أقسمتم عليه.. تعالوا لتروا كم من بغاث الطير تستنسر؟ فماذا أنتم فاعلون؟وبأي معنى يمكننا أن نفهكم وأنتم تتغافلون عن أبين وأهلها الطيبين، الذين يرجون وقاراً منكم، وتحديد مهام لإنقاذها، وما لم تكونوا صادقين، فلا خير فيكم يرتجى، ولا يمكننا أن نلقي بالاً لتباكيكم وأنتم شياطين الهندسة المؤدية إلى الفوضى.
وياغارة الله على أبين من مؤامرة طالت ومعاناة استطالت، ومن سلطة القهر، وترك مجالاً للإرهاب يفعل كل هذا القبح دونما صدق نية لمكافحته ونستثني هنا من خاضوا حرباً ضروساً ذات وقت رغم الحصار الرهيب الطويل وما وهنوا وما استكانوا وكشفوا مخبأًً بطول بالهم وصبرهم وعزيمتهم لنرى نحن، ما معنى المؤامرة والقاعدة، ومعنى الوجع متلاحقاً، فتبت أياديهم وما عملوا.