ماذا تريد آلاتهم المعبأة بالبطش والدمار والاستقواء؟ وإلى متى تتمنطق الرعب وتحفل بالقتل وتتربص شراً بالوطن؟ ولم هم هكذا يتملكون سلاح وطن ضد شعب يريد الحرية؟ وكيف لهم أن يقبلوا بالفجيعة تستمر حكاية متوالية من رغبات سيطرتهم واستعلائهم؟.
أسئلة تنهال على الذاكرة وهي تتابع ما يسمى إعادة التموضعات والانسحاب من الساحات والميادين والأرصفة إلى مواقعها التي جاءت منها وتكتشف أن ثمة مكراً في هذا التموضع الذي انزاح قليلاً من الأماكن المعلنة ليختبئ في الحارات وينقل الرعب من موضع إلى آخر بسهولة ويسر، ومن رأي العين إلى التمترس في مواقع أخرى، يلحظه من يرقب هذه العسكرتارية التي لا تهدأ من تصدير الخوف إلينا عنوة وإقلاق السكينة والأمن في ظل دولة بنيت على الديمقراطية والتعددية السياسية التي قالها بالأمس فخامته لإحدى القنوات الفضائية، لنكتشف أن هذه التعددية تحت وصاية فوهة مدفع وبندقية وطقم عسكري ورشاش ومعدلات المعدلات، وبلا شك فإن هذا الإنجاز التاريخي العظيم من الديمقراطية العنيفة جداً لا يمكن مروره علينا ونصدقه بسهولة، أو نؤمن أن زعيمنا الملهم عسكر الحياة لتسود الديمقراطية بلا هوادة من أجلنا، وأنه اقتنى السلاح بتعدده وتنوعه بما يلاءم التعددية ذاتها، وما نريده من تداول سلمي للسلطة، وهو تداول لا نفهم معناه في ظل تحركات عسكرية لا غاية لها سوى المواطن البسيط الذي يتنقل هروباً إلى أماكن لا يشم منها أي رائحة للبارود، وبأمتعته وأهله من مكان إلى آخر دونما فائدة.. وكأن هذه الديمقراطية التي وعدنا بها ليست سوى ما يحلو له اللعب علينا، بسلاح مجرب وتدريبات مطلع كل عام يقوم بها البواسل من أجلنا، رعاية لمصلحة الوطن إياهم.. وليت أن الديمقراطية بهذا المستوى غربت عن أعين من ينادون بالحرية، وظلت في مواقعها التي مازلنا نؤكد، أنه حتى هذه المواقع ليست سوى انتهاك حرية مواطن.. فماذا تعني المجنزرة ومعسكرها في قلب المدينة، إن لم تكن تستهدف إرهاب المواطن وقهره؟!.
وإذاً فهي ديمقراطية، أنا الرئيس أولاً وأنتم الرعايا، رغم سقوط هذا الشعار وانزياح غمة بعد توقيع صاحب الرئاسة على المبادرة الخليجية وتشكيل لجنة عسكرية للإشراف على الانسحابات التي تظل حتى وإن عادت المعسكرات، إدانة للنظام.. ذلك أنه لا حياة مدنية يمكن أن ننعم بها والمعسكرات قي قلب المدن اليمنية، ومع ذلك استبشرنا خيراًَ وقلنا: خطوة للأمام تتبعها خطوات أخرى غير أن الذي برز انسحاب صادق الوعد والعهد لقوات الفرقة الأولى إلى معسكرها، وانسحاب يقابله من الميادين إلى الحارات، لدى المعسكر الموالي للقائد الرمز.
وإذاً مازال القلق والتعب والإرهاق هو الذي يجيء من هذه القوات الموالية للزعيم المؤتمن وكأنها بالاختباء تمارس لعبة استغماية مع اللجنة العسكرية إن لم تستهين بها وتستخف بقرارات أممية، ورقابة صارمة على مدى تنفيذ المبادرة الخليجية، رغم أنه لا يصح إلا الصحيح، وأن هذه القوات الموالية لفخامته والمدربة كما قال وقد صدق في ذلك مع مقابلة (لأحمد منصور) في قناة الجزيرة (أن الجيش لقمع الشعوب)، وهو شعار تجسد اليوم بدقة حتى بعد تشكيل اللجنة العسكرية وقيامها بالإشراف على الانسحابات التي لم تتلاءم مع رغبات الجيش الموالي للنظام، الذي حدد مهامه فخامة القائد الرمز أنه للقمع، وقد نأى عن هذا بصدق وإخلاص وضمير وطني وانحياز إلى الثورة السلمية المناضل اللواء/ علي محسن صالح – قائد الفرقة الأولى مدرع- الذي حدد بالضبط مهام الجيش بأنه الحارس الأمين لمكتسبات الثورة ودرع الشعب، في مواجهة التحديات التي تريد النيل من الثورة والوحدة، عرفنا هذا ولمسناه بالضبط من انحيازه لحماية الثورة الشبابية السلمية، وامتثاله للقرار الأممي، وصدقه في تعهداته التي وافق عليها دونما تسويف أو مماطلة.. ولأنه لا يصح إلا الصحيح فإن صدقية اللواء (علي محسن) تكشف تقاعس الآخر من القوات الموالية للزعيم المؤتمن، فالأول يراهن على وطن، والموالي يراهن على نظام تسلطي استبدادي، الأول يحمي إرادة شعب يريد حرية، والموالي يهدم حرية ويحرس نظاماً طال بقاؤه ولم يقدم منجزاً واحداً حقيقياً يستحق أن نذكره.. واللواء (علي محسن صالح) إذ يخلي الساحات، يزيد على ذلك بالمطالبة بنقل المعسكرات من المدن إلى مسافة 200 كيلومتر وتحويل ما كان في المدن إلى حدائق أطفال.. وحدائق الأطفال هذه وحدها، ناهيك عن غيرها تدين النظام الذي لم يقدم للطفولة على مدى 33 عاماً ما يستحق الذكر، ولم يعمل من أجل البراءة مرة واحدة ليقدم للأطفال متنفساً يقضون فيه بعض يومهم، ولم يقدم للطفولة غير لعلعة الرصاص وثقافة العنف، وكثير من المجنزرات التي انتقلت بعد توقيع المبادرة الخليجية من الساحات إلى الحارات..
هكذا تبرز المفارقة بين من يقول ويعمل ولا يقبل بالتأجيل لأي موعد أطلقه، وبين من يستخف بقادة عسكريين كبار لهم تاريخهم العسكري المشرف، ويمضي إلى الحارات لإخفاء آلات الدمار المتربصة فقط بالمواطن الذي يطلب العافية والسلامة.. ويا هؤلاء الموالون للرئيس المؤتمن: ليس هذا ذكاءً، وإنكم والله مقبلون على الانسحاب، ولا يمكن لمجنزرة أن تموه على شعب، ما بالكم كيف تفكرون! ولما تحنثون بالعهد من أول لحظة تنفيذ؟.. إن في هذا بالغ الضرر عليكم ولن تصيبوا أو تقهروا أو تنتصروا لا على حي صوفان ولا على الحصبة ولا على الفرقة، قدر ما تنالوا استهجان الجماهير وإدانة البيت الأممي لكم.. وإذاً كل سياساتكم ترتد إليكم خسارة ولم تربحوا في قضية واحدة وأنتم ضد وطن وشعب يقودكم تفكير آنوي انفعالي.
ويا هؤلاء لا تصدقوا المجنزرات، ولا راجمات الصواريخ، وصدقوا القيم وانتموا للحق، فلم تنتصر الساحات عليكم وعلى النظام إلا بالمصداقية والأخلاق ومازالت ممكنة لديكم، بدلاً من الهروب من استحقاق المجتمع الدولي وليس الوطن فقط، فاليوم أنتم تتحدون الأمم المتحدة ولن تفلحوا إذاً أبداً.. ما لم تستيقظوا من سباتكم وتحسبوا جيداً الخطوة التالية.
ووالله أني لناصح أمين لكم.. تخلوا عن العنتريات، مارسوا الحب والنقاء، انتموا للحياة بدلاً من القهر والتحدي الباطل.. كونوا من أجلكم فقط صادقين، أما الوطن فقد انتصر لثورته ولم يعد بمقدوركم أن تحققوا بالتلاعب غير الخسارة تلو الخسارة.. وإذاً لا مجال لديكم سوى العودة بالسلاح إلى معسكراتكم ومن ثم الرحيل خارج المدن.. ولو أنكم تفعلونها لربحتم كثيراً، فالأطفال يريدون حدائق لا حرائق، ويريدون ألعاباً لا صواريخ تحدد أهدافها باتجاه أحلامهم وقصف طفولتهم أو الاعتداء على مدارسهم وما يرغبون به من حياة بريئة.
ويا هؤلاء ليس بالقوة والاستبداد ينتصر القائد، وإنما بالحق وحده يحيا الوطن.. لو كنتم تعلمون.
mallawzy@hotmail.com
محمد اللوزي
لعبة الاستغماء مع اللجنة العسكرية 1959