سأكتب اليوم خصيصاً لكُن يا حرائر اليمن، يا أجمل وأنقى وأنبل ثائرات الدنيا، إنكن ملح ثورتنا وعطرها، أنتن أكسير وجودها وقوتها وصيرورتها، سأفخر بكن أيتها النساء الرائعات، سأكتب وبكل زهو وتباهٍ عنكن يا أطهر وأشجع نساء الوقت الراهن .
بكن انتفضنا وثرنا من أجل الحياة الحرة الكريمة, وبكن كان مبعثنا الثاني من دخان ورماد الموت المذل والمهين، وبكن أيضاً صرنا كطائر فينيق أسطوري نحلق في فضاء مأساوي زاخر بالبؤس والخسة والأنانية والدجل، وبكن حتماً ستنصر هذه الثورة وتصل إلى مبتغاها .
سأكتب عنكن وبكل إجلال واعتزاز، وسأحكي لأولادي وأحفادي قصص وحكايات لا تنتهي عن مآثركن الكفاحية وعن تضحياتكن وعزيمتكن التي لم تقهرها رصاصات القتل الغادرة, فما من مكان ومامن تاريخ وما من حادثة إلا ولكن فيه مقام وشرف يسمو بكن وبنا الآفاق, ما من مهجة مزهقة وما من قطرة دم قانٍ مسفوكة إلا ولكن حظ ونصيب فيها, ما من ثورة تستحق الاحترام والانحناء كهذه الثورة النبيلة النقية من درن وأوساخ علقت بثورات وانتفاضات كُثر خاضها اليمنيون .
قبل ثلاثة أعوام كنت قد نشرت رواية بطلتها ثلاث نسوة، في ذاك الوقت قال لي أحد المتنطعين باسم الله بأن قصتي ( الشرق أشجان ) دعوة لتثوير المرأة على الرجل ولتحللها وسفورها وإن بداعي تحررها من كثير من المعتقدات والتقاليد المُضطَهِدة والمصادرة لحقها في الوجود .
لا أخفيكم الآن كم هي فرحتي برؤية المناضلة الفاضلة/ توكل كرمان وهي تكلل بأرفع جائزة عالمية, كما لا أخفيكم سراً أنني ومن شدة إعجاب بهذه الثورة الشعبية المرابطة في الساحات منذ قرابة السنة، صرت مغرماً للغاية باللون الأسود .
فبرغم كونه رمزاً للظلام والتخلف والعبودية والكآبة وغيرها من المعاني الدالة للون الأسود, غير أنني وجدت فيه ولأول مرة قبساً وضوءاً يشع بالأمل والحياة والتطور والتحرر، كيف لا وفجر النهار يولد من الليل البهيم, ألم يقل الأديب الراحل جبران خليل جبران بأن في قلب كل شتاء ينبلج ربيع، ووراء نقاب كلَّ ليلٍ فجرُ يبتسمُ؟! .
هذا السواد الكثيف ربما عده البعض ردة وعبودية وتخلفاً مريعاً، لكنه لواحد مثلي يعد أهم ما يميز ثورة اليمنيين، إنه وجهنا الذي أعرناه طويلاً لعصور الظلام، إنه وجه هذه الثورة وشريانها الحيوي النابض حلماً وطموحاً وعزيمة وغاية وعدلاً, إنه وجهنا المشرق الآتي من ثنايا العتمة الحالكة، إنه جناحنا الآخر البديع الذي انطلقنا وحلقنا به كثيراً.. وبه أيضاً غردنا للربيع وعبرنا بقية الفصول، وها هي ثورتنا على أعتاب ربيع جديد وبجناحي اثنين يثيران الدهشة والإعجاب، فلا توجد ثورة شعبية مدنية كهذه الثورة التي لم تكن ثورة نخبة أو جنس أو لون بعينه, بل يمكن القول أنها استثنائية ونادرة الحدوث .
نعم سأكتب وبالبنط العريض: ما أقبح وجهك أيتها السياسة!، ما أحقر هؤلاء الذين لا يرون في هذه الثورة غير رئاسة انتقالية أو حكومة مؤقتة، غير نهاية لائقة لنظام فاسد وقاتل وعابث بكل شيء، غير جلباب ونقاب وذقن أسود يغطي الساحات وقنوات الفضاء، ليذهب هؤلاء الساسة وراء مخاوفهم ومصالحهم، لتخسأ السيدة كلينتون ولتخجل المستشارة ميركل ولتخرس كل لسان متحدثة عن حقوق المرأة السياسية وعن المساواة والاضطهاد المجتمعي وعن التهميش والإقصاء وغيرها من المفردات التي للأسف تم انتهاكها بقسوة وفظاظة في ثورة اليمن .
لا عليكن يا حرائر ثورتنا المجيدة، إنكن الأمهات المجسدات مقولة جبران ( وجه أُمَّي وَجه أُمَّتي), فالرجال الحقيقيون من صنعتهم أُمهاتهم وفق تعبير بلزاك، أنكن الأخوات الرائعات اللائي جسدتن بحق كلام سيد الخلق رسول الله محمد بن عبدالله القائل: (النساء شقائق الرجال) .
إنكن بناتنا وحفيداتنا الثائرات المعبرات وبصدق عن حقيقة المساواة التي هي من علياء سماء وعن زيف التمييز الذي هو من صنع البشر، إنكن جميعاً تجسيداً منطقياً وموضوعياً لعدالة الرب الذي لم يفرق بين رجل وامرأة بقوله عز وجل (المؤمنين والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله).
في الأمس كنا نزهو ببلقيس وأروى، الواقع أن دور المرأة أكبر بكثير مما هو في متون كتب التاريخ المنحاز لمن صاغه وابتدعه وهم هنا الرجال، نعم أشعر الآن برغبة جامحة بتقبيل الساحات المطلية أديمها بلون الجلابيب الفاحمة.
بي شوق لمعانقة الإسفلت الكئيب والبارد إلا من سخونة الدم النازف ومن حرارة أقدام الثائرين، من اليوم وصاعداً سأطوي سيرة بلقيس وأروى ولو لبعض الوقت، سأحكي مليون مأثرة من تعز فقط، وعن حرائر صنعاء وعدن وإب وحضرموت ويريم وذمار ودمت وقعطبة ومريس ورداع وسقطرة والمهرة وشبوة والبيضاء، يا الله امنحني الحياة كيما أروي لأحفادي الصغار حكاية الشهيدات "عزيزة وزينب وتفاحة وياسمين" وكي أرى وطناً يستحق حياتنا وثورتنا .
محمد علي محسن
لحرائر اليمن نكتب وباعتزاز 2704