وإن (عدتم عدنا)، شعار صلاة يوم الجمعة أمس في السبعين،كله استفزاز وتحدٍ.. وإذاً أي صلاة تقبل بروح استنفارية ضد إخوة؟ وما معنى العودة التي تؤدي إلى هذا التمترس؟ ولماذا كل هذا التشنج ضد طلاب حق وحرية ؟ولما حين يطالب المواطنون في الساحات بالعدل والمساواة ويطلقون صرخاتهم في وجه الإستبداد، ينبري قوم يدعون عليهم بالويل والثبور وعظائم الأمور لمجرد أنهم أرادوا حياة كريمة وشريفة ؟ ولما التهديد بالرجوع إلى القتل والدمار والمتارس والتعبئة الخاطئة بعنوان إن (عدتم عدنا)؟ ماذا يريد أولئك الذين استخذوا لنزيف الدم والقتل وضاروا يعيشون على هذه التجارة ويرغبون في المزيد من التحدي لأصحاب الصدور العارية؟.
وكيف تروق لهم هذه السياسة الجهنمية ضد إخوتهم ؟وأين الحكمة التي يتشدقون بها وهم يخرجون بصلاة استنفار ورعب وتخويف ؟ألا يدركون أبعاد وخطورة هذا الشعار المرعب (وإن عدتم عدنا)؟..
الواقع أن المرء يحتار فعلاً من ثقافة تنزع نحو العنف، وتحارب طلاب حق وتشيع أجواءً ملبدة بالمصائب،وكأنهم بعتادهم قادرون على كبت أصوات الحرية،وأن لديهم الاستعداد للبقاء قي ذات الظلم..
وإذاً نحن أمام قوى جاهزة للدمار وليس لها من مجال آخر تقدر على المضي فيه، إلا ما هو انتقامي من أي مطلب حرية وحب. هكذا في السبعين تغدو صلاة الجمعة احتقاناً وعنترة واستخدام لغة قامعة، على بشر يقولون ربنا الله وبهذا المعلن يواجه شباب الساحات المتطلع إلى حياة أفضل وإلى شراكة وطنية لا يعترف بالسلطة أنها مغنم أو مغرم قدر العمل من أجل دولة مدنية حديثة هي اليوم ومن ميدان السبعين تواجه بالقهر وترفع في وجهها لافتات العنف بتهديد مبطن لا يمكن إنكاره من قبل من رفعوه ظلماً وعدواناً على جماهير ملايينية تعج بها الساحات في مختلف محافظات الجمهورية،يرددون لا للفساد،لا للقتل والظلم، وأمام هذا تتحول السبعين بما ترمز إليه من معانيٍ وطنية تاريخية،إلى مكان يصدر الوجع ويبحث عن الفوضى وإلى جمعة لم تكن عبر التاريخ الإسلامي، إلا موعظة حسنة ودعاء خير ودعوة وئام وحب وسلام، لكنها بالنسبة لهم تحولت إلى تهديد ووعيد وإلى تلويح بالموت، هذه رسالة جمعة (وإن عدتم عدنا)، وهذه أيضاً الثقافة التي ترغب في الإجهاز على الطيب،هي التي تتسيد في ميدان السبعين، تحوله من مكان للفرح إلى غم ورعب، ومن مكان لأدوار وطنية جليلة إلى لغة تتوعد كل ما هو جميل لمجرد أنه يقدم نفسه بسلوك مواطن شريف يرفض الاستعباد، ولسنا نعرف مبرراً لهذا الشعار الذي رفع في وجه الجماهير المؤمنة بربها ووطنها ؟.
لذلك نحن نرى إليه أنه دق لطبول حرب ونذير شؤم،ونحن نحب الحياة،ونحب السلام ولا نريد لغة مزمجرة، متكبرة، صلفة تلحق الأذى بالوطن كله، ومن أجل ماذا كل هذا التهديد لساحات الوطن التي أعلنت بوضوح كامل رغبتها وإصرارها على التغيير؟.. ولقد عادت الساحات إلى ما خرجت من أجله، بل إنها لم تبارح الحيز المكاني وصامدة فيه،هذا بالنسبة لها خيار لا رجعة عنه وهو محدد وواضح،وكل ما يطلقه السبعينيون من تهديد لا معنى له هنا،غير أنه يدين النظام وقد التزم بالمبادرة الخليجية ويكشف عن نوايا مبيتة، هي اليوم تبرر للفعل القادم من خلال الدين، وتريد أن توظف النص الديني في اتجاه إرهاب ساحات التغيير،كل ذلك اليوم يعنون له باسم (إن عدتم عدنا) والعود الذي ترافق مع خطبة استفزازية ليس حميداً وليس تراجعاً عن خطأ، أو اعتراف بظلم،إنه عودة على غرار ما حدث من قتل ودمار وأذى في جمعة الكرامة، وكأن الذي نظم لهذا الرعب يريد أن يبعث للوطن برسالة تخويف وتحذير من بطش قادم سيمارس في حق الأبرياء،وهو أسلوب اعتاد عليه النظام وتعامل معه، ولو لم يكن هكذا لما وقع كل ذلك القتل في الساحات نتاج التفاخر بالقوة، والتفاخر بالأموال والأولاد، ونتاج مستشارين ظلمة وقتلة أوصلوا البلاد والعباد إلى مستوى مرعب تماماً، ولولا هؤلاء المستشارون لما وقع النظام في تداعيات كبيرة ألحقت به الأذى على المستوى الوطني والعالم، فالمنتفعون من الفتن محددون تماماً وواضحون وهم يرفعون من جديد شعار(وإن عدتم عدنا) فيما العالم يرقب ويتابع هذا التخويف المعبأ بالجريمة والتجهيز لها.. هكذا يريد دعاة القتل والدمار أن يصلوا بالنظام إلى مأزق آخر،ويريدونه أن يظل في غير مأمن ومدان من كل القوى الوطنية في الداخل، ومن دول المنطقة والدول الأوروأمريكية، إنها خلق ورطة جديدة للنظام، يريد أن يتسبب فيها من يلقون خطباً حماسية ويلوون عنق النصوص الدينية لرغباتهم وأهوائهم وإسالة الدم،هكذا تبدو معالم طريقهم: هي خلق احتقان يدر عليهم مداخيل،ولولا هؤلاء لكان النظام في فسحة من العيش ولديه ممكنات الحوار، ولوجد من يصغي له،لو لم يكن أمثال من رفعوا (وإن عدتم عدنا )موجودين، لكنها سياسة النظام حينما اعتلى عرش الغرور وصار يعجب بالمزايدين الوصوليين، وليس الرجال الذين يسدون له النصح ويثنونه عن الغلط باعتباره إنسانا يخطيى ويصيب،وبفعل تخليه عن الثقات المخلصين وعن الرجال المشهود لهم بالصدق،وقع في متواليات من الأخطاء ولعل آخرها (إن عدتم عدنا) وهو ما لا يدل على ذكاء أبداً ولا يؤكد وجود حس سياسي، قدر ما يكشف عن وجود قوى تمارس هوايتها في جمع المال باختلاق المزيد من العنف، ودفع النظام إلى مسالك يتحمل من خلالها مسؤوليات أخطاء ذات القوى الانتهازية.
والواقع أن شعار جمعة (إن عدتم عدنا) قد وقفت أمامه فضائيات عدة بالنقد والتحليل وقدمت النظام بأنه مازال يرغب في تفجير الأوضاع، وهو ما أخذه المجتمع الدولي دليلاً ضد النظام الذي لم يعد ينطلق من استبصار حقيقي للمتغير ومن أن المجتمع الدولي يرقب بدقة أي تصعيد،هذا ما تغافل عنه النظام ليفسح للقوى التحشيدية أن تنجح في توتير الأوضاع، وليبقى المسؤل الأول والأخير النظام الذي يهدد الملايين بالعودة إلى العنف والقتل والإرهاب وإلى السجون،وبالتأكيد لا يمكن أن يقول من رفع هذا الشعار أن القصد العودة إلى السابق، يعني رفع الورود وإطلاق حمامات السلام في أرجاء الوطن،وأهازيج الفرح تعم البلاد،فالتجربة لعشرة أشهر كانت مريرة ومؤلمة،كان للرعب موطنه، والقذائف تصل إلى المواطنين لقتلهم، وإذاً لن تكون العودة إلا في ذات المؤلم، وعلى النظام هنا أن يحدد موقفه الرافض لهذا الشعار، ويعلن أنه لم يكن على معرفة بتسويقه،حتى لا يظل من خلاله مداناً أمام الرأي المحلي والإقليمي والعالمي.
فهل يدرك أبعاد كل ذلك ليبادر برفض منطق العنف وشعار (إن عدتم عدنا)؟.. سؤال نلقيه على الطريق فيما الساحات تمضي بإيمان على درب المعالي ولن يضيرها شعار مرجف، متكسب من دم حرام ولن يخيفها القتل وقد عاشته، وما وهنت عزيمتها أو فت ذلك من عضدها،قدر ما زادها صلابة ويقينا بحتمية الانتصار لإرادتها وحريتها.
محمد اللوزي
جمعة (وإن عدتم عدنا) 2302