مبادرة الخليج قد تكون جسر عبور إلى مرحلة سياسية مختلفة وقد تكون شركاً مفخخاً لا يفضي بسالكه لسوى الهلاك ، الحُكم على نجاح المبادرة أو إخفاقها مازال سابقاً لأوانه ، على هذا الأساس ينبغي الانتظار، فالوقت كفيل بكشف ما إذا كانت السلطة الممارسة ستنقلنا إلى بر الأمان أم أنها ستتعثر وتسقط دون البلوغ بنا المنتهى .
الأسابيع المنصرمة بلا شك فيها من المؤشرات والنتائج الايجابية الضئيلة المحققة من الرئاسة المؤقتة ومن حكومة الوفاق ومع ذلك لا يمكن القول بأننا صرنا على خط الضفة الأخرى ،لا مشكلة هنا تتعلق بشخوص القيادة لسفينة البلاد وفي مثل هذه الظروف الحرجة ، المشكل الحقيقي يكمن بمدى صلاحية الطريق وخلوه من أية مخاطر ناسفة لسالكيه .
كلما قلنا انفرجت عاد الرئيس ليذكرنا بوجوده وطلته التلفزيونية ، يبدو أن الرجل لا يحتمل أن يرى اليمن تمضي فيما هو قابع في قصره حتى 21شباط القادم ، لا يريد ثمة انسجام وتناغم بين حكومة الوفاق والرئاسة المؤقتة، كما أنه يتأذى كثيراً حين لا توجد خلافات جوهرية بين قائمتي المؤتمر واللقاء المشترك .
كان عليه أن يكون شجاعاً بما فيه الكفاية ؛ليقولها صراحة لنائبه الفريق عبدربه ولوزراء المؤتمر : لا أحتمل رؤيتكم تؤدون، عملكم فيما البلاد تضيق بي وبأقاربي وأصدقائي الفاسدين الذين يتساقطون أمامكم كأحجار الدينمو !فهذا الشاطر عميد مدراء العالم يتهاوى ويسقط ولا تحركوا ساكناً، فبعد أن أقيل عديد من الفاسدين السؤال الماثل الآن هو : ما بمقدور الرئيس المؤقت وبحكومة الوفاق فعله وانجازه خلال المدة القليلة القادمة ؟
المتأمل في الأربعين يوما الفارطة على توقيع الرئيس لمبادرة الخليج وآليتها التنفيذية في الرياض يوم 23دسيمبر بلا شك سيجدها مدعاة للتفاؤل والأمل ، إما وإذا ما نظرنا للمسألة من زاوية فعل الرئيس الفخري ومنظومته فلا أظن سوى الإحباط والتشاؤم .
المشهد يبدو هكذا : لدينا اليوم رئاسة وحكومة مؤقتين ولدينا مبادرة وآلية وقبل ذا وذاك لدينا شركاء فاعلون ومؤثرون وعلى المستويين الإقليمي والدولي ولدينا أيضا شارع لم يهمد ولن يتوقف على المدى القريب ، بالمقابل لدينا تركة ثقيلة تتمثل برئيس شرفي ونظام عائلي مازال قائماً بشخوصه وعتاده ومواليه وأجندته ، في اللقاء التشاوري الأخير لوح الرئيس بخياراته كبديل لاتفاق الرياض النازع لملكه، فإذا ما سارت العملية السياسية على هذا المنحى الخطر المهدد لاجتثاث أساطنة الفساد وتطهير مؤسسات الدولة من عبث الفاسدين الموالين لنظامه، فأنه لن يظل صامتاً ومتفرجاً حتى يأتيه دوره .
إنه باختصار لا يحتمل رؤية نائبه يسرق منه الاهتمام والأضواء، فيما هو في قصره المنيف يفتش في تواريخ الميلاد والاستقلال كيما يبعث لأصحابها برقية تهنئة مذيلة باسمه في نشرة التاسعة أو عناوين الصحف الرسمية ،على هذه البديهية لن يقبل بتسوية سياسية كهذه التي أجبر عليها .
إنه لا يتصور ـ ومجرد التصور ـ أن تنظف العاصمة من متاريس الخوف ومن قناصة القتل ومن البلطجة والفاسدين العابثين بالسكينة والنظام والحياة ،نعم سيدفع مليارات الريالات وسيوزع السلاح وسيجند الأطفال الصغار وتنظيم القاعدة وسيوظف كل شيء: القبيلة والطائفة والمنطقة وحتى المجرمين المحكوم عليهم ، فهؤلاء جميعاً لا يجد أدنى حرج في استخدامهم دفاعا عن سلطانه الآيل للزوال وخلال أيام وجيزة .
تصوروا كيف أنه لم يرفل له جفن عندما حوصرت وضربت مسيرة الحياة ! قُتل وأصيب الآلاف المتظاهرين في تعز وصنعاء وعدن والحديدة وغيرها ،وقتلت نساء تعز وأحرقت خيام المعتصمين بمن فيها من المعاقين ،وعندما سقطت أبين وشرد أهلها إلى مدارس عدن ، فكل هذه الجرائم الفضيعة ليس فيها ما يثير مشاعر وأحاسيس صالح الذي رأيناه يخرج عن طوره عندما تعلق الأمر بوقف ومنع قيادات مقربة فاسدة .
لقد استنفر كل ما بقي له من سلطان وهيلمه وأنصار كي لا يسقط عتاولة الفساد والنهب والقتل ، إنه لا يراوده أي شعور بالخجل والإثم وهو يهدد ويلوح بالانقلاب على الرئاسة المؤقتة وعلى حكومة الوفاق لا لشيء أو جرم غير أنهما لم يدافعا عن القتلة والفاسدين ، في اللقاء الخير خاطب الحاضرين قائلاً : إذا لم تتحركوا إزاء ما يجري اليوم فإن الدور سيأتي عليكم ،إذ سيتم اجتثاثكم كحزب البعث في العراق ، تصوروا الرجل يحرض ويهدد وما خفي أعظم ،ومع كل أفعاله المعبرة عن مرض مزمن صنعه الحكم المطلق مازلنا لم نفقد الأمل بالتغيير الجذري والذي لن ينجز سوى برحيل صالح ونظامه .
محمد علي محسن
صالح لا يحتمل زوال سلطانه 2670