بالقدر الذي أدرك بأن جميع اليمنيين وغير اليمنيين من الأشقاء والأصدقاء على يقين بأن حكومة الوفاق الوطني تواجه تحديات جسيمة، وأن التركة التي تلقفتها من النظام ثقيلة جداً، وأن مهمتها ستكون شديدة الصعوبة, سيما في الجانب الاقتصادي والأمني.. إلا أنها مطالبة في الوقت ذاته بتحقيق انجازات ونجاحات ملموسة وسريعة، خاصة في توفير الخدمات الأساسية من كهرباء وماء واستقرار اقتصادي وتوفير المشتقات النفطية واستقرار أمني، بصورة تعيد الأمل لهذا الشعب المطحون في أنه لازال ثمة قوى حريصة على المصلحة العامة للشعب قبل تقاسم الحصص.
كما أنني أدرك أنه قد يرى البعض أن الوقت مازال باكراً لإصدار الأحكام على حكومة الوفاق الوطني والحديث عن مدى نجاحها من عدمه، إلاَّ أن الواقع يفرض على الجميع ضرورة تقييم أداء حكومة العم باسندوة من جهة وإسهام الجميع كل من موقعه لتتجاوز الحكومة الحد الأدنى والأخطر من التحديات التي تواجهها من جهة ثانية.
وعليه فإن على هذه الحكومة أن تعي بأن الشارع والمواطن اليمني لن ينتظر طويلاً حتى تحقق له الحد المتوسط من الاستقرار المعيشي والخدمي والأمني، لأن قبول الأحزاب السياسية بشقيها للولوج في الحل السياسي رغم الحالة والفعل الثوري الموجود على أرض الواقع ـ الذي استطاع أن يخرج الرئيس صالح من المشهد السياسي ولو بصورة غير مكتملة ـ يفرض على كل القوى المساهمة في حكومة الوفاق بشكل مباشر وغير مباشر العمل على تحقيق احتياجات المواطن اليمني وفي أسرع وقت، كون القبول بالسير في المسار السياسي -على اعتبار أنه إحدى مسارات الثورة الشبابية- يحتم على حكومة الوفاق أيضاً أن تثبت وجودها في مدة قصيرة جداً، وذلك من خلال توفير الخدمات الأساسية والأمن، كيما يستطيع المواطن اليمني أن يعلق آماله بإصلاح الأوضاع في المستقبل القريب، ولا يتسرع في الحديث عن فشل حكومة الوفاق في أول اختبار لها.
شخصياً أرى في هذه الحكومة غير المتجانسة ـ لوجود طرف داخلها يريد لها الفشل أو بالأصح يسعى لذلك ـ باتت تشعر بالإحباط شيئاً ما.. خاصة وأن الوضع لم يتحلحل ولو قليلاً فانقطاع الكهرباء مستمر وأحياناً بصورة أسوأ من ذي قبل، والماء يأتي بصورة متقطعة، وطوابير البترول والديزل ومن في حكمها حاضرة سبعة أيام في الأسبوع، عوضاً عن شبح الانفلات الأمني الذي يزداد يوماً عن يومٍ انتشاراً من خلال "المبندقين" الذين يملأون شوارع المدن بشكل يثير الاشمئزاز ويدفعنا للتقيؤ في وجه وزراء منحوا أسلافهم من المخربين والعابثين والفاسدين والمجرمين شهادات تكريم وحسن سيرة وسلوك على النجاحات التي حقوقها، وأوصلتنا إلى ما نحن فيه اليوم..
القبول بالمسار السياسي قطعاً أثر على المسار الثوري بصورة أو بأخرى ولا أقول إنه عطله، فصمود شباب الثورة وشكيمتهم القوية كفيلة باقتلاع عشر حكومات وفاق وعشرة أنظمة ديكتاتورية حاصلة على درجة الامتياز من نظام صالح، لذا ومن هذا المنطلق فإن الحكومة مطالبة ـ وفي أقل من شهر وقبيل الانتخابات الرئاسية التوافقية ـ أن تحقق ما هو مطلوب منها في المجالات سالفة الذكر، وإلا فعليها الاعتراف بالفشل وتقديم استقالتها للشعب وألا تنتظر خروج المسيرات المطالبة بذلك لأنها في هذه الحالة ستصبح جزءاً لا يتجزأ من النظام الساقط، وستكون سبباً في نجاح تلك المشاريع الصغيرة التي تحمل البعد المناطقي والطائفي والسلالي المقيت، وهي النتيجة التي تريد بقايا النظام الوصول إليها كيما تستطيع إعادة بناء وإنتاج نفسها عبر أحزاب جديدة بدأت تتشكل اليوم على ذات الأسس القذرة، بعيداً عن خارطة الوطن اليمني الكبير.
إبراهيم مجاهد
استقالة الحكومة 2361